Ad

أي منطق هذا في تقليص عدد مستحقي الجنسية على حساب العدالة والإنصاف؟! فهل تسريب مجموعة أسماء بـ«الواسطة والمحسوبية» على حساب آلاف البشر ممن انتظروا عقوداً من الزمن لحظة الخلاص لإنصافهم يُعد عدلاً؟

إدراج قضايا الجنسية تحت بند الأمور السيادية من الاجتهادات غير الموفقة وغير المنطقية سواء في بُعدها القانوني أو في الإطار السياسي لدولة يفترض أن تحكمها المؤسسات والسلطات الدستورية، بل إن سيادية التجنيس هي التي وضعت هذا الملف عرضة للتلاعب والتسييس والترضيات على حساب المصلحة العليا والشروط الموضوعية ومبادئ الحق والإنصاف، والشواهد على ذلك كثيرة، وبالتأكيد سوف يستمر «الحبل على الجرار» في ظل المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1980 الذي تفننت الحكومة بتطبيقه إبان تعطيل العمل بالدستور وتجميد الديموقراطية من خلال الحل غير الدستوري لمجلس الأمة، الذي أثبت فشله عندما تحرر منه قانون المطبوعات والنشر أخيراً.

فانفراد الحكومة بالتحكم بمفاتيح التجنيس سواء من حيث سرية المعلومات ومداولاتها الخاصة أو من حيث حرية تصنيف وترتيب وتطبيق معايير الاستحقاق واستبعاد حتى السلطة القضائية في حسم أي نوع من الجدل والطعن في قراراتها، يثير الكثير من الملاحظات وعلامات الاستفهام، بل إن هذا الانفراد بالقرار هو الذي يشجع ما نراه اليوم من التهويل السياسي والتهديد والتجاذب ومحاولات وضع العصا في دولاب المسيرة التي تحركت لحلحلة ملف البدون وإنقاذ ما تبقى من سمعة الكويت في مجال انتهاك حقوق الإنسان والتعامل غير الحضاري وغير القانوني مع آلاف البشر الذين عاشوا ولاذوا خلف ظهرانينا في بلد الأمن والاستقرار.

فإذا كنا بالفعل تحت ظل دولة المؤسسات وكان القانون سيد الموقف وبعيداً عن التسييس فقد تم الاتفاق بين السلطتين على وضع معايير وشروط موضوعية للتجنيس كانت نتيجتها إعلان الحكومة من خلال أجهزتها المعنية بهذا الملف أن من تنطبق عليهم شروط التجنيس ويستحقون استكمال إجراءاتهم القانونية وصل إلى 45 ألف شخص، وأكد الوكيل المساعد لشؤون الجنسية أن خمسة آلاف ملف قد أُعدّت بما يتناسب مع متطلبات قانون التجنيس لعام 2007، وبعد التدقيق الأوّلي في مجلس الوزراء تم الإعلان عن كشف يتضمن 1500 اسم من مستحقي الجنسية، ولكن بقدرة قادر وفعل فاعل انخفض هذا الرقم إلى 600 في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء، وهذه المؤشرات الرقمية بحد ذاتها تؤكد حجم الضغط السياسي الذي مورس على وزير الداخلية ومجلس الوزراء عموماً، بل يؤكد أن سيادية التجنيس هي أسهل الطرق للتأثير في الحكومة في كيفية التعامل مع هذا الملف الخطير، وفي النتيجة يؤكد نظرية تسييس التجنيس!

إن العقلية المروّجة لفكرة أنه كلما تناقص الرقم المستحق للتجنيس فإن ذلك يُعد مؤشراً على جدية التعامل مع هذا الملف، لا تنم عن ثقة الحكومة بنفسها ولا تعكس إيمان أصحاب القرار بالجهود التي بُذلت في تمحيص وتدقيق هذا الحجم المهول من البيانات والمعلومات في ظل التشدد والتعسف اللذين تمارسهما الجهات المعنية بملف البدون أصلاً!!

بل أي منطق هذا في تقليص عدد مستحقي الجنسية على حساب العدالة والإنصاف؟! فهل تسريب مجموعة أسماء بـ«الواسطة والمحسوبية» على حساب آلاف البشر ممن انتظروا عقوداً من الزمن لحظة الخلاص لإنصافهم يُعد عدلاً؟ وهل الاستخفاف بدماء الشهداء ودموع أراملهم وأيتامهم لسنوات طويلة يشكل إنصافاً؟ ألا يستحق هذا التلاعب والإرهاب السياسي وقفة جادة لمحاسبة الحكومة ونفض الغبار عن الكثير من الملفات المشبوهة التي مُررت بتنسيق بينها وبين المتباكين اليوم على النسيج الاجتماعي ونقاء الدم الكويتي على مدى نصف قرن من الزمان؟!

وأين المعترضون اليوم على اعتبار دماء الشهداء وتضحياتهم خدمة جليلة قدمت للكويت وأهلها وشعبها وكرامتها وسالت على أرضها؟ وأين كانت انتفاضتهم وعلو صوتهم على المغنيّات والراقصات والمحظيات بعلاقات خاصة ليس خلال السنوات الطويلة الماضية فحسب، بل في الكشوف المرتقبة بعد أيام؟!