Ad

ما تحتاجه المنطقة هو مبادرات سلام ذكية، وليس أي مبادرات سلام. وما حصلنا عليه منذ «كامب ديفيد»، لم يكن سوى مبادرات سلام غبية، ومبادرات سلام لم تحقق السلام، لأنها في الحقيقة كانت تؤهل المنطقة لحرب أو حروب جديدة.

حكى دبلوماسي مصري أنه قابل فلاحاً بسيطاً من أعماق الصعيد وسأله عن رأيه في اتفاق «كامب ديفيد»، الذي كان قد وقعه الرئيس السادات للتو. أغمض الفلاح عيناً وفتح عيناً ورد قائلاً «قل للرئيس أنا مبسوط منه، ولكن قل له أيضا إن هذا الاتفاق وقع بين ذئاب، وعليه ألا يغمض عينه تماماً عندما ينام». الأرجح أن الرئيس الراحل لم يستمع للنصيحة!

ولأنه لم يستمع، وربما لم يستمع كثيرون غيره منذ ذلك الوقت، فالشرق الأوسط لايزال يتفجر مثل حقل ألغام تمر عليه دبابات تسير من دون سائق.

ويعمي المعتدلون أعينهم عن جوهر المسألة... فهم يناقشون بحمية شديدة الاعتدال والتطرف ويحرفون القضية كلها عن مسارها المنطقي السليم... ويخسرون دائماً الرأي العام فيبدأون في لعنه وسب خلق الله جميعهم، لأنهم ينقادون الى الشعارات «المتطرفة»، ثم يبدأون في بحث مدهش أو مذهل أو منذهل، عن «جذور التطرف في ثقافتنا». وربما «زهقوا» الآن من لعن الثقافة العربية التي هي «ثقافة كلام وشعارات»! وهم يبدأون الآن حيلة جديدة تدعونا للمحلية والسرديات الصغيرة والواقع الحي والاقتصاد وكل شيء آخر سوى القضايا الاستراتيجية والكلية، خاصة الموضوع الفلسطيني وصراعات المنطقة عموماً.

وفي ظني أن المنطقة تحتاج فعلاً الى الاعتدال، ولكنها تحتاج الى اعتدال مسؤول... وطالما أن المعتدلين يحتفلون احتفالاً كرنفالياً بالذكاء، فالمطلوب تحديداً هو «اعتدال ذكي»، أعني ذكي العقل والرائحة أيضاً، فالساسة العظام في التاريخ مثل ميترنيخ، الذي لا يكف كيسنجر عن التعبد له، كانوا محافظين ومعتدلين، ولكنهم كانوا أيضا أذكياء.

ما تحتاجه المنطقة هو مبادرات سلام ذكية، وليس أي مبادرات سلام. وما حصلنا عليه منذ «كامب ديفيد»، لم يكن سوى مبادرات سلام غبية، ومبادرات سلام لم تحقق السلام، لأنها في الحقيقة كانت تؤهل المنطقة لحرب أو حروب جديدة.

اجتماع 6 زائد اثنين زائد واحد

واليوم بدأ حديث آخر أو جديد عن سلام... وقدم الرئيس بوش مبادرته لعقد مؤتمر دولي أو إقليمي!... الله أعلم «... للسلام». وهو لم يدعُ لسلام في الشرق الأوسط، بل لسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وحدهم. وحتى فيما يتعلق بهذا الأخير، فالمبادرة تعني بجانب وحيد من «السلام»، وهو بناء دولة (في الحقيقة دويلة) فلسطينية. ووفقا لتصريحاته، فهو لا يريد شروطاً مسبقة، فكل شيء يبدأ وينتهي بـ «المفاوضات»: أي من دون مرجعية (سوى ما تراه إسرائيل). وهي بهذا المعنى تبدأ وتنتهي بـ «وعد بوش» الذي منحه لإسرائيل بنهاية ولايته الأولى: لا لحق العودة، ولا للعودة أصلاً إلى حدود الرابع من يونيو، ولا لعودة القدس... وهي لاءات تكشف، كما ترون، عن قدر كبير من... الاعتدال!

واليوم بدأ حديث آخر أو جديد عن سلام... وقدم الرئيس بوش مبادرته لعقد مؤتمر دولي أو إقليمي!... الله أعلم «... للسلام». وهو لم يدعُ لسلام في الشرق الأوسط، بل لسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وحدهم. وحتى فيما يتعلق بهذا الأخير، فالمبادرة تعني بجانب وحيد من «السلام»، وهو بناء دولة (في الحقيقة دويلة) فلسطينية. ووفقا لتصريحاته، فهو لا يريد شروطاً مسبقة، فكل شيء يبدأ وينتهي بـ «المفاوضات»: أي من دون مرجعية (سوى ما تراه إسرائيل). وهي بهذا المعنى تبدأ وتنتهي بـ «وعد بوش» الذي منحه لإسرائيل بنهاية ولايته الأولى: لا لحق العودة، ولا للعودة أصلاً إلى حدود الرابع من يونيو، ولا لعودة القدس... وهي لاءات تكشف، كما ترون، عن قدر كبير من... الاعتدال!

وليس صحيحا إطلاقا أن المبادرة العربية ستكون هي المرجعية لمثل هذا «السلام». فقد حسمت السيدة ليفني وزيرة الخارجية الاسرائيلية الكلام عن المبادرة العربية بقولها للمرة الألف إنها لا تقبل شروطاً مسبقة، وكررت ما قاله نتانياهو إنه لا توجد نصوص مقدسة وأن كل شيء رهن بالتفاوض!

حسنٌ جداً. لقد بدأ شيء ما يمكن أن نطلق عليه «تفاوضاً». ربما بدأ في شرم الشيخ منذ شهرين ونصف الشهر، أو بدأ في شرم الشيخ منذ أربعة أيام، وهو تفاوض «يجنن» (وهو وصف تطلقه الفتيات في مصر على الموضات العجيبة الغريبة). فما يهم الأميركيين هو ضياعهم وسوء سمعتهم وانهيار مشروعهم في العراق، والإسرائيليون من جانبهم يهمهم إشعال حرب أهلية بين الفلسطينيين وتأزيم وضعهم السياسي وتطبيق خطة «عزل القطاع»، وما يهم الزعماء الخليجيين العرب، هو إحراجهم الدائم في محيطهم الشعبي بسبب القضية الفلسطينية المزمنة، وما يهم الزعماء المصريين هو اثبات أنهم مازالوا مركز الكون الذي لا يتحرك فيه شيء من دون نصائحهم الثمينة. ويلتقي خليط الزعماء من أركان الأرض الأربعة في «مؤتمر 6 زائد 2 زائد واحد»، و(هو شيء: يجنن بذاته) حول الضيق الشديد من ايران. وإن تركنا قنابل الدخان التي أطلقها هذا المؤتمر الخليط، فسوف نرى بوضوح أن موضوع شرم الشيخ هو العراق وإيران.

وفي أفضل الأحوال ما نراه في شرم الشيخ هو «طبخة» تتم في أرض مزروعة بالديناميت من زمان!

ما هي الطبخة بالضبط؟

نسبت «الأهرام» للرئيس مبارك أنه قال للسيدة رايس والسيد غيتس وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين: الطريق إلى بغداد يمر عبر القدس.

لم تشرح الصحيفة ما يعنيه الرئيس مبارك بهذا القول. ولكنه يقبل تفسيرات متعددة. المعنى المجازي، مقروءاً بأقصى قدر من حسن النية، هو أن نجاح المشروع الأميركي في العراق مرهون بتحرك أميركي لحل الصراع العربي - الإسرائيلي.

ولا نتصور، بالطبع، أن المقصود بهذا القول هو إسداء نصيحة أخلاقية وفلسفية للأميركيين. فاجتماع شرم الشيخ هو مفاوضة أو «طبخة» سياسية: حلفاء أميركا في المنطقة سيدفعون شيئاً مهماً في العراق، إن كانوا يرغبون حقاً في الحصول على مقابل في الموضوع الفلسطيني. ونتصور أن «المدفوع» سيكون دعما عربياً كبيراً لأميركا فى العراق.

والواقع أن الصفقة قد لا تكتفي بذلك. فأميركا ليست مشغولة بالعراق وحده. ومن المؤكد تقريباً أن الانسحاب الأميركي من العراق مطروح بقوة. ومطروح أيضا في الداخل الأميركي توجيه ضربة عسكرية قوية لإيران. وتتزايد احتمالات هذه الضربة مع الوقت ويحدد لها البعض إطاراً زمنياً لا يتجاوز كثيراً الخريف المقبل. صفقة شرم الشيخ منذ بضعة أيام تعني فى هذه الحالة أن الحلفاء العرب سيدعمون تطويق إيران، وربما توجيه ضربة عسكرية أميركية لإيران ومساعدة أميركا في العراق مقابل تحريك التسوية السياسية حول المسألة الفلسطينية.

سيكون الحلفاء العرب قد باعوا العراق وإيران أيضا مقابل وعد غامض بحل المسألة الفلسطينية، بل سيكونون باعوا المنطقة بشعوبها للأميركيين مقابل لا شيء تقريباً!

والمشكلة في هذا النوع من الصفقات هو أنه لا يبني السلام... وأعتقد أن على «المعتدلين» أن يرفضوه قبل المتطرفين، لأنهم إن لم يرفضوه سيكونون قد منحوا المتطرفين فرصة أخرى لكسب الرأي العام العربي، والأهم أنهم سيكونون قد ساهموا في مضاعفة الفوضى والعنف، وربما الحروب في منطقة تعيش محنة مروعة منذ زمن بعيد بسبب بقاء المشكلات والصراعات من دون حلول ذكية.

القضية الفلسطينية لا يجب أن يتم التلاعب بها على هذا النحو المزري، فهي تحتاج إلى عقول ومقاربات ذكية فعلا، وليس إلى عقول متلاعبة تفكر في الحرب وتتحدث عن السلام!

يحمل الخبازون في البلاد العربية الفقيرة أقفاص الخبز فوق رؤوسهم، ويذهبون بها على دراجات متهالكة في طرق حافلة بالمطبات ويناورون بها وسط مرور فوضوي. الخبازون الأميركيون يفعلون الشيء نفسه بمبادرات السلام... يحملون أقفاصاً من الديناميت فوق رؤوسهم ويمرون بها وسط مرور فوضوي فى طرق إقليمية حافلة بالمطبات والمشاكل! فلماذا يبتهج المعتدلون بهذه المبادرات؟

 كاتب مصري