أي عيد.. يا وطني؟!
بمناسبة العيدين الوطنيين العزيزين يجب أن نلفت الانتباه إلى مسألتين في غاية الأهمية؛ الأولى، هي ضرورة قيام الحكومة بالإعلان وبكل صراحة وشفافية عن خارطة المصالح السياسية للدولة وأدوات تفعيلها وتجنيد أنواع الخطاب السياسي كله من أجل نجاحها، أما الثانية، فهي قضية المواطنة والولاء التي تعتبر أصلاً دستورياً يحكمه القانون وسلطتها السيادية تخضع للدولة وليس لأي طرف آخر.
مع إشراقة ذكرى عيد الاستقلال وذكرى عيد التحرير، وهما أعز مناسبتين وطنيين على الإطلاق لتكن لنا هذه الوقفة للتأمل والتدبر ليس على تداعيات الأيام الماضية فقط، ولكن وقفه تاريخية وتطلعات مستقبلية. فالعيد الوطني هو الذكرى السابعة والأربعين لاستقلال الكويت وعيد التحرير هو مرور سبعة عشر عاماً على اندحار العدوان الصدامي، وهذا يعني أننا طوينا حوالي نصف قرن من الزمان على بدء حياة دستورية تسودها الديموقراطية وتحكمها مؤسسات شرعية تحت ظل القانون وسيادة الدولة، بينما يعني التحرير صفحة جديدة من صفحات المصالحة الوطنية بعد جراح الثمانينيات التي أدمت حواس هذا الوطن من كل حدب وصوب ومن دون الخوض في تفاصيلها المؤلمة وأسبابها المزعجة. ولكن يبدو مع الأسف الشديد أن كلتا التجربتين معرضتان لكبوة خطيرة في ظل صمت حكومي يدعو للدهشة والمرارة، فالتصعيد الإعلامي على خلفية تأبين مغنية وعلى الرغم من ردود فعله الفورية بدأ ينزلق بنا وبفعل فاعل، إلى أعماق المجهول وأخذ بعضهم يركب موجته ليوجهه إلى مآرب ومقاصد قد لا تمت إلى موضوع «الجابرية» المحزن بصلة، حتى باتت المصالح العليا للدولة والاستقرار السياسي للبلد والشعب معرضتين لأخطار قد لا يحمد عقباها، وخصوصاً بعد الإعلان الرسمي عن نقل هذا الملف إلى سلطان القانون الذي يجب أن ينحني له الجميع احتراماً وانتظاراً لقوله الفصل.وحتى تلك اللحظة وبمناسبة العيدين الوطنيين العزيزين يجب أن نلفت الانتباه إلى مسألتين في غاية الأهمية، المسألة الأولى هي ضرورة قيام الحكومة بالإعلان وبكل صراحة وشفافية عن خارطة المصالح السياسية للدولة وأدوات تفعيلها وتجنيد أنواع الخطاب السياسي كله من أجل نجاحها، وعدم ترك الاجتهادات الشخصية والقناعات الخاصة لتتحكم في مصير البلد وتوجيه الرأي العام مع احترام حرية التعبير عن الرأي والموقف، فالتنشئة الوطنية منذ الاستقلال هي التي غذتنا على سبيل المثال بدعم حركات التحرير والمقاومة في أرجاء الكون المختلفة ومنابذة الكيان الصهيوني، بل ورصدت الدولة مبالغ طائلة من عوائدنا المالية لمساندة القضايا التي تتبناها وتدافع عنها بما في ذلك الجديدة منها كـ»حزب الله» في لبنان و»حماس» في فلسطين، وتم استقبال رموز هذه الحركات من قبل القيادة السياسية، وأقيمت لها مهرجانات ومسيرات التأييد الشعبي بمشاركة القوى الوطنية والشخصيات السياسية، وإذا بها تحولت إلى قضايا تشق الشارع الكويتي، بل وتعصف به عصفاً!! ولذلك ولما كان العالم يزخر بالتقلبات والتطورات المتلاحقة والصعبة فلابد أن تكون حكومتنا متبصرة وواعية، وأن تحدد الملامح الرئيسية لسياساتنا الخارجية وخطوطها الحمراء وهوامش التعبير عن الرأي تجاهها بكل شفافية ووضوح.أما المسألة الثانية، فهي قضية المواطنة والولاء التي تعتبر أصلاً دستورياً يحكمه القانون وسلطتها السيادية تخضع للدولة وليس لأي طرف آخر، فصمت الحكومة خلال الأيام الماضية عن تجرؤ كل من هب ودب بالتطاول على هيبة الدولة وسيادة القانون بالإعلان عن سحب جنسيات المواطنين وتجهيز العبارات لتسفيرهم لا يعبر فقط عن قلة أدب حوار المواطنة، بل طعناً في سلطات الدولة والحكومة المؤتمنة على إدارة شؤونها، فهل تكيل الحكومة معيار المواطنة بمكيالين؟ ولماذا تسمح بمثل هذا التمادي على مواطنين لهم مالهم من حقوق وعليهم ما عليهم من واجبات وهم جميعاً متساوون أمام القانون؟ وألا تستشعر تبعات مثل هذه التصريحات على النسيج الوطني والاستقرار السياسي ولِحمة المواطنة؟ وصحيح أن مثل هذه الأبواق يدرك أصحابها قبل غيرهم أنها مجرد فقاعات في الهواء، ولكنها تمثل تحدياً للدولة ودقاً لإسفين الفتنة بين المواطنين.ولعل الأمل بدأ يتجدد في ارتفاع صوت العقل والحكمة من وسط هذه العاصفة التي هبت علينا من دون سابق إنذار بفضل المخلصين من الشخصيات المحبة لهذا البلد والقوى الوطنية وجمعيات النفع العام ولندعم هذه المسيرة المباركة كأغلى هدية في أعيادنا المجيدة.