المال السياسي ونزاهة الانتخابات
إن صدقت الأحاديث المتداولة عن كميات المال السياسي المستخدم في هذه الانتخابات وتنوع أشكاله وطرقه فإن الأمر خطير جدا ويهدد مستقبلنا. ولا يعقل أنه رغم كل هذا الحديث المنتشر بين الناس عن استخدامات المال السياسي، وعن جرائم شراء الأصوات، ألا تستطيع الحكومة ولا مؤسسات المجتمع المدني أن تلقي القبض على جريمة واحدة من جرائم شراء الأصوات!
يتناقل الناس أخباراً مقلقة عن كيفية استخدام المال السياسي في التأثير على إرادة الناخبين، والأمر ليس مقصورا على دائرة انتخابية معينة بل يشمل كل الدوائر الانتخابية، وإن بدرجات متفاوتة، ويلاحظ أن الحديث يدور على أن جريمة شراء الأصوات لا تأخذ شكلا موحدا بل إن لها أشكالا وطرقا مختلفة، فمن الدفع النقدي إلى تسديد الالتزامات المالية مرورا بترميم المنازل وتأجير بعضها بأسعار خيالية وصلت إلى مبلغ 25 ألفا شهريا والتوظيف الموقت في الشركات التي يملكها المرشح أو من يؤيده من الناخبين إلى التبرعات «السخية» في فترة التحضير للانتخابات.وتكمن خطورة جريمة شراء الأصوات أنها تتعلق بمصير وطننا ومستقبل أبنائنا، فمن يشترى ذمم الناخبين اليوم سيقبض ثمن ذلك، حال نجاحه، من مستقبل وطننا، ومن الممكن أن تتمكن قوى معادية للديموقراطية أو حتى دول أجنبية من استخدام المال السياسي للتأثير في تركيبة المجلس، وبالتالي تتحكم في نوعية التشريعات أو القرارات التي ستصدر عنه. فماذا عسانا أن نفعل أمام هذا المشهد المزعج لنفوذ المال السياسي الذي سيفسد الانتخابات ويطعن في نزاهتها ويؤثر سلبا في نتائجها؟ أولا: بالنسبة للحكومة من المفروض أن تصدر قراراً صريحاً تمنع بموجبه جميع أجهزتها (كالمدارس، والمراكز الصحية، والجمعيات التعاونية وغيرها) من قبول أي تبرعات أو هبات نقدية أو عينية خلال فترة التحضير للانتخابات. كما أن عليها أن تعلن صراحة خطواتها العملية لمحاربة المال السياسي التي من الممكن أن تشمل عمل كمائن لضبط مستخدمي المال السياسي وتقديمهم للمحاكمة السريعة. ومن المفروض إصدار قانون أو حتى مرسوم ضرورة لو تطلب الأمر ذلك لشطب الناخب أو المرشح الذي يضبط متلبسا من كشوف الانتخاب وحرمانه بالتالي من الترشيح على أن يعلن اسمه بعد محاكمة عادلة وسريعة. ويمكن للحكومة أن تستفيد من التجارب العالمية حول كيفية القضاء على جرائم شراء الأصوات.ثانيا: بالنسبة للناخبين فإن الأمل معقود على وعيهم، لذا فعلى المواطن ألا يكتفي بعملية رفض المشاركة في الجريمة، بل عليه أن يرصد بوعي ويبلغ عن أي حالة مؤكدة لجريمة شراء الأصوات، كما يجب طرح ومناقشة موضوع جريمة شراء الأصوات علانية بالدواوين والمنتديات الإلكترونية ورفض استقبال المرشحين الذين تحوم حولهم الشبهات.ثالثا: أما مؤسسات المجتمع المدني خصوصا المهتمة بمتابعة ومراقبة الانتخابات فإن عليها كهيئات تطوعية أن تقوم بحملة توعوية شاملة للناخبين حول كيفية رصد والتبليغ عن جريمة شراء الأصوات. كما أن عليها أن تنشر بكل شفافية جميع المعلومات المؤكدة التي تتوافر لها، على أن يشمل عملها جميع الدوائر الانتخابية ويتسم بالحياد السياسي.رابعا: بالنسبة لوسائل الإعلام الرسمية والخاصة من صحف وقنوات فضائية، فإن عليها المساهمة في توعية الناخبين من خلال شرح الوسائل والطرق المستخدمة في جرائم المال السياسي وكيفية اكتشافها والتبليغ عنها. ويمكن أن يتم ذلك من خلال البرامج الخاصة والندوات الحوارية.لابد أن تتضافر جميع الجهود الرسمية والشعبية، فإن صدقت الأحاديث المتداولة عن كميات المال السياسي المستخدم في هذه الانتخابات وتنوع أشكاله وطرقه فإن الأمر خطير جدا ويهدد مستقبلنا. ولا يعقل أنه رغم كل هذا الحديث المنتشر بين الناس عن استخدامات المال السياسي، وعن جرائم شراء الأصوات، ألا تستطيع الحكومة ولا مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة ولا الهيئات التطوعية المعنية بنزاهة الانتخابات أن تلقي القبض على جريمة واحدة من جرائم شراء الأصوات!