الأمن القومي في ميزان حقوقي وقضائي
لابد من احترام حق الرئيس في حماية الأسرار التي تمس الأمن القومي، لكن هذا الحق لا يجب أن يطغى بصورة غير مشروطة على حقوق من يتضررون جراء تلك البرامج ذاتها التي يقصد الرئيس إخفاءها عن الرأي العام.هذا هو التوتر الحادث في العديد من القضايا ذات الصلة بسياسات مكافحة الإرهاب التي تنتهجها إدارة بوش، بما فيها استخدام «أحكام قضائية استثنائية» للقبض على مشتبه في تورطهم في الإرهاب، وآخرها برنامج وكالة الأمن القومي لمراقبة المكالمات الهاتفية من دون إذن من الادعاء العام. وتمسكت الإدارة، لدى دفاعها أمام الدعاوى القانونية ضدها، بامتيازات «الأسرار الحكومية»، وهي امتيازات تطورت عبر سلسلة من الدعاوى القضائية التي تعود إلى خمسينيات القرن العشرين، وتبيح لها حجب المواد التي تدّعي أنها ستلحق الضرر بالأمن القومي إذا سُمح بنشرها. وأظهر القضاة قدراً غير عادي من الاحترام للرؤساء، بامتناعهم في كثير من القضايا عن مراجعة الأدلة المتوافرة والقبول بدلاً منها بشهادات وإفادات لمسؤولين كبار حين يقرون بحساسية تلك المعلومات.
ومع ذلك، يبدو أن إدارة بوش استخدمت هذا الامتياز بتحفظ، بالمعدلات نفسها، تقريباً، التي استخدمته سابقاتها، حسب مقالة ستنشر قريباً عن مراجعة القوانين لمؤلفها البروفيسور روبرت م. شيسني من كلية الحقوق بجامعة «ويك فوريست». لكن حتى الاستخدام النادر له عواقبه؛ فتقدم لنا قضية خالد المصري مثالاً تحذيرياً، فقد ألقي القبض عليه، وهو مواطن ألماني، في يناير 2004 بواسطة عملاء أميركيين، ويُزعم أنه تعرّض للتعذيب والاستجواب في أفغانستان لنحو ستة أشهر قبل أن يُطلق سراحه. اعترفت الولايات المتحدة للحكومة الألمانية بأن السيد المصري «قد قُبض عليه بالخطأ»، حسب قول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. رفع السيد المصري دعوى في المحاكم الأميركية، لكن قضيته رُفضت بعد أن طلبت الحكومة تطبيق مبدأ أسرار الدولة، مجادلة بأن السماح له بمقاضاة الحكومة قد يحمل في طياته خطر الكشف عن أسرار متعلقة بالأمن القومي. كان الرجل سيواجه عوائق قانونية هائلة حتى لو تمكن من تجاوز الادعاء المتعلق بأسرار الدولة، لكنه من غير المعقول أن نحرم السيد المصري من حقه في التقاضي، خصوصاً بالنظر إلى ذلك العدد من أوجه قضيته الذي أذيع على الملأ بالفعل. هل هناك ثمة طريقة لحماية الأسرار مع إفساح مجال أوسع لعملية التقاضي؟ يدعو أحد البدائل، وهو مقترح من قبل السيد شيسني، لإنشاء محكمة سرية، مشابهة لمحكمة مراقبة الاستخبارات الأجنبية، لمراجعة الشكاوى ذات التشعبات المتعلقة بالأمن القومي. سيُمنع المدّعون من حضور الجلسات، لكن قضاياهم ستتم متابعتها من قبل محامين يمتلكون تصاريح أمنية رسمية، والذين سيُلزمون بالحفاظ على سرية المعلومات حتى مع زبائنهم. هناك اقتراح آخر، تروّج له مؤسسة «مشروع الدستور»، وهي منظمة لا تهدف الى الربح، ومدعومة من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، والتي تركز على القضايا القانونية والدستورية، ويقترح منح القضاة الفدراليين سلطات موسعة ليقيّموا، على نحو سري، مدى فائدة ادعاء السرية الذي تقدمت به الإدارة.يجب على الكونغرس والإدارة الأميركية أن يضعا في اعتبارهما هذين الاقتراحين، وغيرهما من الخيارات التي من شأنها أن تحافظ على وجود سلطة تنفيذية قوية، مع المحافظة على المغزى الحقيقي لمفهوم النزاهة.