Ad

مسؤوليتنا الوطنية تحتم علينا ألا نكتفي «بالتحلطم» ولعن الظلام، بل لابد أن نحاول أن نضيء شمعة، فالشعوب الحية تشخص مشاكلها مهما كانت قاسية ومعقدة بموضوعية وتجد لها الحلول المناسبة، أملاً في مستقبل أفضل للكويت.

أتت الندوة التي نظمتها صحيفة «الجريدة» بداية هذا الأسبوع تحت عنوان «مستقبل الكويت... أسئلة مشروعة وأجوبة مستحقة» في وقتها المناسب، فقضية مستقبل الكويت من الموضوعات التي تؤرق الكويتيين جميعهم خصوصاً في ظل تعثر عملية التنمية المستدامة وتردي الأوضاع العامة اللتين يلمسهما ويعترف بهما الجميع بمن فيهم أعضاء السلطتين. كما أن الأزمات السياسية والاجتماعية المتتالية أصبحت ميزة عامة للوضع الداخلي في الكويت، فما نكاد نخرج من أزمة عاصفة حتى ندخل في أخرى أشد منها وأكثر إيلاماً.

ويأتي موضوع التأجيج الطائفي المقيت في الفترة الأخيرة وما رافقه من أطروحات متشنجة واتهامات متبادلة ومؤلمة تتعلق في الانتماء والمواطنة وشق الوحدة الوطنية، والتي كنا نعتقد أننا قد تجاوزناها منذ زمن بعيد، ليجعل مناقشة مستقبل الكويت على الصعد جميعها والتوافق على رؤية وطنية مشتركة من المهام الوطنية العاجلة .

ولكي لا نظل ندور في حلقة مفرغة لنصبح جزءاً من الأزمة، وبعيداً عن الكلام النظري المرسل الذي لن يساعدنا في الخروج مما نحن فيه من أزمة، ومع إيماني العميق بأن الكويت تمتلك مقومات الدولة المعاصرة والمتطورة وأننا جميعا شركاء في تحمل مسؤولية إيجاد الحلول الناجعة لما نحن فيه من تردّ، فإنني أدعو الملتزمين بالنظام الديموقراطي ودستور 1962 جميعهم، لحوار علمي موضوعي هادئ حول مستقبل الكويت.

وحتى يكون النقاش مفيداً، دعونا نركز على أربعة محاور هي:

أولاً: مظاهر الأزمة الراهنة التي تعانيها الكويت؟ أو بمعنى آخر أين تكمن الأزمة؟

ثانياً: الأسباب التي أدت إلى ما نحن فيه من أزمة؟

ثالثاً: ماهي الحلول المقترحة؟ أو ما سبل الخروج من الأزمة الراهنة؟

رابعاً: ماهي الآليات المناسبة لترجمة الحلول المقترحة إلى إجراءات عملية؟

لقد سبق أن طرحت في هذه الزاوية رأياً في أسباب الأزمة الراهنة التي تعانيها البلاد منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي التي تتجلى مظاهرها في مناحي الحياة العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والتعليمية كافة، وبينت أن السبب الرئيسي لذلك هو توقف مشروع بناء الدولة الدستورية الديموقراطية العصرية الذي انطلق بعد الاستقلال وإقرار الدستور، واستبداله بمشروع بناء الدولة غير المدنية، الذي بدأ التبشير به بعد الانقلاب الأول على الدستور في عام 1976 الذي قاده التحالف السياسي بين قوى متنفذه في السلطة وبين القوى السياسية الدينية، خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين في بادئ الأمر ثم الجماعة السلفية لاحقاً. كما أوضحت أيضا رؤيتي لكيفية الخروج من هذه الأزمة التي يمكن تلخيصها بإعادة الاعتبار لمشروع بناء الدولة الدستورية الديموقراطية الحديثة المرتكز على الالتزام بالتطبيق الكامل لدستور 1962. وسأحاول التفصيل أكثر في مقالات قادمة.

إن مسؤوليتنا الوطنية تحتم علينا ألا نكتفي «بالتحلطم» ولعن الظلام، بل لابد أن نحاول أن نضيء شمعة، فالشعوب الحية تشخص مشاكلها مهما كانت قاسية ومعقدة بموضوعية وتجد لها الحلول المناسبة، فدعونا على الأقل نتحاور بشفافية حول مستقبلنا. فهل نبدأ؟