Ad

«خديعة أولمرت» إذن تقضي بعزل سورية عن إيران و«حزب الله» بالدرجة الأولى، وبعد ذلك عزلها عن عمقها الاستراتيجي العراقي، ومن ثم فصل مسارها عن مسار قلب الصراع ولبه، أي القضية الفلسطينية، فماذا يبقى لسورية من أوراق في التفاوض؟! أمر تدركه سورية بالتأكيد وتعتقد أنها رسالة «سلام» ماكرة.

«الحق العيّار على باب الدار»، وهو مثل عربي شهير تستند إليه دمشق في تعاملها وتعاطيها مع السياسات الإسرائيلية منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد.

وقد ورث بشار هذا التعامل من أبيه كما ورث الكثير من كليات السياسة السورية القريبة من فلسفة أو مقولة «التقية» السياسية! والعيّار هو الكذاب الأشر، فكيف إذا كان من النوع الإسرائيلي؟!

لا يختلف اثنان ممن يعرفون خبايا وخفايا السياسة السورية «الباطنية» أصلا لاسيما مع العدو، في أن رمزاً من رموز النظام السوري يمكن أن يصدّق إسرائيل في الالتزام بأي من التزاماتها أو تعهداتها العلنية أو السرية، ناهيك عن أي زعم من مزاعمها!

كانت هذه ولاتزال سياسة النظام السوري تجاه الإسرائيليين منذ تسلم الرئيس الراحل حافظ الأسد سدة السلطة في دمشق، أي دع العالم يكتشف كذب الإسرائيليين وخداعهم وزيف ادعاءاتهم، لاسيما بخصوص السلام، أفضل من اتهام العالم لنا بمعارضة السلام، ووضعنا تحت مقصلة معاداة السامية مرة أو معاداة السلام أخرى أو التحريض على العنف والإرهاب مرة ثالثة!

ادعاء أولمرت اليوم بأنه مستعد لتسليم الجولان مقابل السلام مع سورية، خصوصا عندما يأتي عبر الوسيط التركي الطامح، بلعب دور إقليمي متقدم والحالم بالخروج من شرنقة رفض الأوروبيين له، للدخول إلى «جنة» أوروبا من الباب الإسرائيلي، لا يمكن أن تقرأه دمشق إلا لعبة ماكرة وحيلة أو خديعة جديدة لابد من التعامل معها طبقاً للمثل العربي الآنف الذكر، لاسيما في ظل ظروف متشابكة ومعقدة ومتداخلة تحيط بسورية، تجعل أي «قشة» تأتي إليها «للنجاة» من تهمة عرقلة السلام، تتمسك بها من دون تردد حتى إن أتت من الخصم والعدو الكذاب الأشر!

فسورية متهمة بأنها هي من يعرقل التسوية في لبنان لا غيرها! وسورية متهمة بأنها حاضنة للمنظمات الفلسطينية المتهمة بالإرهابية! وسورية متهمة بأنها هي من تؤوي الإرهابيين العراقيين والعرب الذين يتدفقون على العراق عبر حدوده المفتوحة، لتقويض العملية السياسية المدعومة من الراعي الأميركي! وسورية متهمة بأنها قد تحولت إلى أداة طيعة بيد «مصرف الإرهاب المركزي العالمي» أي إيران، وبأنها جسر سلس لوصول الأسلحة الصاروخية الفتاكة لـ«حزب الله» اللبناني الذي يخطط لزوال الكيان الصهيوني!

وأخيراً وليس آخراً فإنها باتت متهمة أيضا بالسعي إلى امتلاك أسلحة نووية عبر كوريا الشمالية، وهو ما تزعمه واشنطن التي تتهمها دمشق بأنها شريكة مع تل أبيب في قصف المنشأة النووية المزعومة في دير الزور في الخريف الفائت!

وبالتالي فإن سورية تعرف تماما أن الثمن المطلوب دفعه مقابل استرجاع الجولان الآن، وفي ظل المعادلة الراهنة هو تبرئة نفسها من كل هذه التهم مجتمعة! مما يعني عمليا إنهاء الدور السوري في الإقليم بشكل كامل، أي الاستسلام التام لشروط «السلام» الإسرائيلي المزعوم!

«خديعة أولمرت» إذن تقضي بعزل سورية عن إيران و«حزب الله» بالدرجة الأولى، أي ميمنتها وميسرتها عملياً، وبعد ذلك عزلها عن عمقها الاستراتيجي العراقي، ومن ثم فصل مسارها عن مسار قلب الصراع ولبه، أي القضية الفلسطينية، فماذا يبقى لسورية من أوراق في التفاوض؟! أمر تدركه سورية بالتأكيد وتعتقد أنها رسالة «سلام» ماكرة تم الإعداد لها بالتنسيق الكامل مع واشنطن تماماً، كما الرسائل الحربية وليس بالاختلاف معها كما يروج بعضهم!

لذلك جاءت «حاشية» الأسد و«وليده» في تعليقهما على الخبر بأن أي اتفاق محتمل لن يكون على حساب فلسطين، ولن يكون إلا بمفاوضات علنية وغير مباشرة، وبرعاية أميركية، ومن قبل الإدارة الجديدة بالطبع!

إنها «الحيلة» الدمشقية القديمة التي لخصها خبير إيراني يوماً بالقول إن سورية «تبيع وتشتري» نفس البضاعة عشرات المرات، من دون أن «تسلم» البضاعة مرة واحدة!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني