لا تزال النسبة الغالبة من قوة العمل الوطنية تتركز في القطاع الحكومي، ولم تتجاوز نسبتها في القطاع الخاص 4% من إجمالي العمالة في هذا القطاع. ولا يزال هناك اختلال خطير في تركيبة القوى العاملة لمصلحة العمالة الوافدة بشكل عام، وغير الماهرة منها بشكل خاص.تعتبر مشكلة البطالة وتفاقمها، في أي دولة، من المشاكل الخطيرة ذات التأثيرات السلبية الكبيرة على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية. وعادة ما تحتاط الدول وتتخذ السياسات الاقتصادية المناسبة التي تضمن الاستثمار الأمثل للموارد البشرية وتقلل من الإفرازات السلبية لاقتصاد السوق التي تكون مشكلة البطالة أحدها. كما تتبنى حكومات هذه الدول سياسات اقتصادية وتعليمية وسكانية رشيدة لإعادة هيكلة الاقتصاد ومعالجة الاختلال الحاصل في هيكل القوى العاملة والتركيبة السكانية لضمان عدم وجود مشكلة البطالة. أما في حالة وجود البطالة، كما في الدول الصناعية، فان الحكومات تعلن عنها بشفافية تامة وتوفر الإحصاءات الدقيقة المتعلقة بها وتقوم برسم سياسات واقعية تعالج ما يترتب عليها من آثار اجتماعية واقتصادية وأمنية ونفسية.
أما في الكويت فالوضع مختلف. كيف؟
أولاً: هنالك عدم اعتراف رسمي صريح بوجود مشكلة البطالة بين الكويتيين، على الرغم من أن نسبتها السنوية في ازدياد، فقد صرح الأمين العام لبرنامج إعادة هيكلة القوى العاملة والجهاز التنفيذي للدولة د.وليد الوهيب بأنه لا توجد بطالة حقيقية في الكويت، وأضاف «أن الكويت استطاعت احتواء مشكلة البطالة من خلال توظيف كل الأعداد التي تدخل إلى ميدان الخدمة المدنية» (القبس 7 فبراير 2007). وهذا الكلام تنقصه الدقة ويتناقض تناقضاً صارخاً مع ما ورد في إحصاء حديث لديوان الخدمة المدنية تبين أن عدد المؤهلين للترشيح من المسجلين لدى الديوان خلال الفترة السابعة عشرة (نوفمبر 2006) قد بلغ 4158 كويتياً، تم ترشيح 2050 منهم (أي %50 فقط) للحصول على وظائف في الأجهزة الحكومية. وهذا يعني أن بقية المؤهلين (%50) يعتبرون عاطلين عن العمل! وبحسب تصريحات رسمية سابقة، فإن فترة انتظار الخريج للحصول على وظيفة تتراوح ما بين السنة ونصف السنة إلى السنوات الثلاث!
وحيث ان الشخص العاطل هو الشخص القادر والراغب في العمل والباحث عنه، ولكنه لا يجده. إذن توجد بطالة سافرة في الكويت.
ولا نعرف حقيقة لماذا المكابرة وعدم الاعتراف بكل صراحة بمشكلة البطالة، فالاعتراف بالمشكلة، هو الخطوة الأولى لحلها. وطبيعي جداً أن ينتج عن اقتصاد مثل الاقتصاد الكويتي، الذي يعاني اختلالات بنيوية، مشاكل عدة من بينها مشكلة البطالة.
ثانياً: هناك تناقض في الإحصاءات الرسمية التي تتحدث عن البطالة بين الكويتيين. فأحد التقارير الرسمية يتحدث عن أكثر من 20000 كويتي عاطل عن العمل، بينما يحدد تقرير رسمي آخر عدد العاطلين عن العمل من المواطنين بـ13500 عاطل. كما توجد إحصاءات رسمية تؤكد أن نسبة البطالة في قوة العمل الوطنية في ازدياد مطرد وقد تجاوزت حتى الآن ما نسبته (%10) من قوة العمل. ويظل السؤال: ما نسبة البطالة التي يمكن اعتمادها ورسم السياسات العامة على أساسها؟
ثالثاً: بسبب غياب خطة تنموية واضحة للدولة، فإن السياسات الحكومية التي تتعلق بإعادة هيكلة القوى العاملة وتعديل التركيبة السكانية والربط بين مخرجات التعليم واحتياجات التنمية، لا تزال نتائجها في أحسن أحوالها متواضعة، فلا تزال النسبة الغالبة من قوة العمل الوطنية تتركز في القطاع الحكومي، ولم تتجاوز نسبتها في القطاع الخاص (%4) من إجمالي العمالة في هذا القطاع. ولا يزال هناك اختلال خطير في تركيبة القوى العاملة لمصلحة العمالة الوافدة بشكل عام، وغير الماهرة منها بشكل خاص، أما السياسات الحكومية المتعلقة باستثمار واستخدام الموارد البشرية الوطنية وربط مخرجات التعليم باحتياجات التنمية، فإنها غير واضحة.
إن البطالة في الكويت خطر قادم، ما لم تتخذ الحكومة سياسات جادة لمواجهتها. فعدم الاعتراف الرسمي بالظاهرة لا ينفي وجودها الفعلي وتفاقمها المستمر، فيكفي فقط أن نعرف أن الفئة الغالبة من مجموع السكان الكويتيين هي فئة الشباب، وهي الفئة القادرة والباحثة عن العمل. فبحسب الإحصاءات الرسمية لعام 2002، فإن نسبة الشباب من الفئة العمرية 15-29 عاماً قد بلغت %27.6 من مجموع الكويتيين، في حين كانت نسبة من هم تحت سن الرابعة عشرة (%41.7) من مجموع المواطنين. فكم من الفرص الوظيفية ستكون في انتظارهم؟!