تقدم لنا الإدارة الأميركية، متفضلة، منظومة الأمان التسليحية المنشودة القائمة على ركني الصفقات الكبرى والقواعد الارتكازية الثابتة! وفي غير ذلك فالويل والثبور لمن يعترض أو حتى يتذمر لأن «القاعدة» الأخرى ستكون له بالمرصاد.لا شيء يريح المواطن العربي أو المسلم «أميركياً» بالرغم من كل ادعاءات الحرص الزائد الذي تبديه الإدارة الأميركية في هذه الأيام تجاه الأمن والاستقرار العربيين!
فالمشهد الذي تحاول أن ترسمه واشنطن خليجياً في هذه الساعة، هو أن ثمة خطرا داهما على العرب اسمه إيران! ينبغي أن يقابل، من وجهة نظرها، بتسلح فاحش أقل ما يقال بشأنه هو هدر غير مبرر للموارد وإطلاق سباق تسلح محموم يقوم على الوهم ولاتقدر دول المنطقة على تحمله طويلاً، ولن تبعث نهاياته السعادة فضلاً عن التنمية المنشودة لأحد، أي أحد، من أهل المنطقة، اللهم إلا الطارئون عليها من جنس الدولة العبرية!
أما المشهد مغاربياً، وكما تحاول واشنطن الإيحاء به، بل فرضه سواء من خلال تسهيل عمليات الاختراق الأمني والاستخباراتي لدوله أو من خلال ممارسة أعلى درجات الضغط، فهو أن المنطقة تتعرض لخطر «القاعدة» الداهم، الذي لا يمكن مقارعته والتغلب عليه إلا بالقاعدة الأميركية لكل بلد من بلدانه!
وأما لبنانياً، فقد أخذت واشنطن تذهب عميقاً في التحول من مجرد محرض على القوى المناهضة لسياساتها إلى طرف فاعل وأساسي في المعادلة السياسية الداخلية ترجح فئة على أخرى لتصبح هي أصل المشكلة اللبنانية حالياً بسبب «الفيتو»، الذي باتت تضعه على مبادرات الحل المحلية أو العربية أو الدولية كافة، ما لم يتضمن التصور الأميركي للبنان الذي تريد، وانتقالها أخيرا إلى مرحلة الملاحقة الفردية لكل من يقف حجر عثرة في طريق تكرس نفوذها وهيمنتها على القرار اللبناني!
وأما فلسطينياً فالمشهد ليس بأفضل، إن لم يكن أسوأ من أي وقت مضى بالرغم من الأجواء المبهجة التي تحاول واشنطن إشاعتها بخصوص حرصها على قيام الدولتين المتصالحتين! أي دولة الضحية المجهولة والغامضة في حضن دولة الجلاد القوية والقاهرة، فهي هنا أيضا إذ تكذب على العالم بكل وقاحتها المعهودة، فقد أصبحت طرفاً فاعلاً وأساسياً أيضا، في التحريض الداخلي الفلسطيني على أمل نجاح مخطط الاستنزاف الطويل للدم الفلسطيني بما يجعل قيام الدولة الفلسطينية أمراً مستحيلاً في الأمد المنظور، فتصبح واشنطن في حِل ٍمن تعهداتها الكاذبة والمخادعة أصلا للعرب!
يبقى «درة التاج» العربي الذي قررت واشنطن حسب ظنها أن تهديه إلى الدولة العبرية منذ ربيع العام 2003، أي العراق، فالمشهد فيه هو الأسوأ أميركياً، فواشنطن إذ تحضر للسيناريوهات المختلفة للهروب الاستراتيجي المشرف! من العراق مع بداية العام المقبل، لاترى بداً من إثارة أنواع الغرائزية الممكنة والمحتملة كلها، من طائفية أو عرقية في المشهد العراقي حتى لا يبقى حجر على حجر في الإقليم الذي يحتضن العراق في داخله وليس في العراق وحده.
وهنا يكمن بيت القصيد فيما تخطط له الإدارة الأميركية، وفيما تفصله من مشهد مأساوي لأهله على خلفية أكذوبة خطر التطرف الإيراني الداهم من جهة! والتشيع الزاحف على المنطقة من جهة أخرى! المهدد للأمن القومي العربي في الصميم! في الوقت الذي تمد فيه الإدارة الأميركية يد الرحمة والتواصل إليه، مترافقة مع دعوات السلام والتطبيع مع الدولة العبرية «المسالمة والمعتدلة» !
ومن أجل حماية هذا التحالف المعتدل والمسالم تقدم إلينا الإدارة الأميركية، متفضلة، منظومة الأمان التسليحية المنشودة القائمة على ركني الصفقات الكبرى والقواعد الارتكازية الثابتة! وفي غير ذلك فالويل والثبور لمن يعترض أو حتى يتذمر لأن «القاعدة» الأخرى ستكون له بالمرصاد! هذه هي الخلفية الحقيقية لتحركات «رايس –هيرست» المزدوجة الأخيرة والتي طبعت المشهد الكلي للوطن العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج!
الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني