جاسم كرم... موعد لم يكتمل!!

نشر في 25-04-2008 | 00:00
آخر تحديث 25-04-2008 | 00:00
 أ.د. غانم النجار

كان جاسم من أولئك الذين تجاوزوا الاعتبارات الفئوية والطائفية كلها، فزرع في أسرته الصغيرة حب الكويت والوطن، فأثمروا إبداعات متنوعة. مَن عرف جاسم الكرم الجرخي عن قرب يدرك من دون تعب أنه يمثل المعادلة البسيطة التي نحتاجها هذه الأيام للخروج من مأزق الفئوية والمناطقية والقبلية والطائفية.

ويبقى الموت هو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة، أما ما عدا ذلك فليست إلا تفاصيل، فالموت عندما يأتي يشعرك بالعجز، وربما يعيدك إلى وضعك الطبيعي.

أصعب ما في المسألة أن ترى صاحبك ينسحب ببطء من هذه الحياة، خلال أشهر بل سنوات، أمام عينيك وأنت لا تقدر على فعل شيء. وتتساءل بحرقة: أين التكنولوجيا؟ أين التطور الطبي؟ وأين... وأين؟ فلا يأتيك إلا صدى صوتك، وصورة صاحبك على ذلك السرير اللئيم المطعم بالأجهزة والإضاءات من دون جدوى. أسئلة ربما رددها كثيرون منا، وهم يراقبون بلا حول ولا قوة عزيزاً يختطفه السرطان من بينهم وما أكثرهم هذه الأيام.

لا أعرف حقاً- وهذه ليست ملاحظة سياسية بل إنسانية- لماذا ينفق البشر تريليونات الدولار على الدمار والحرب والقتل ولا ينفقون جزءا بسيطا على تخفيف الألم عن البشر وإنقاذهم من الموت البطيء بسبب المرض. سؤال ساذج... ربما كما يراه بعضهم.

وهكذا منذ أن دخل الأخ والصديق الإنسان جاسم كرم في صراعه مع المرض، ورحل رحلته الطويلة إلى بريطانيا، كنا جميعاً نسمع التطمينات المتكررة عن تقدم العلم، وحتى خلال زياراتي المتكررة له هناك في مستشفى «هامرسميث»، كنت أكتم إحساساً داخلياً بالألم والخوف عليه، وأسعى إلى إشاعة جو من البهجة للتخفيف عنه وعن رفيقة دربه الوفية أم طارق.

كان الدكتور جاسم كرم إنساناً راقياً بكل المقاييس، مبدعاً في تخصصه في الجغرافيا السياسية، وقد عملنا سوياً في أكثر من مشروع بحثي، بل يمكنني القول إنه استطاع أن يكون واحداً من أبرز المتخصصين العرب في مجال ترسيم الحدود، وبالطبع كعادة حكومتنا الرشيدة لم تستفد من دراساته ولا من خبراته.

كان جاسم من أولئك الذين تجاوزوا الاعتبارات الفئوية والطائفية كلها، فزرع في أسرته الصغيرة حب الكويت والوطن، فأثمروا إبداعات متنوعة.

مَن عرف جاسم الكرم الجرخي عن قرب يدرك من دون تعب أنه يمثل المعادلة البسيطة التي نحتاجها هذه الأيام للخروج من مأزق الفئوية والمناطقية والقبلية والطائفية وأي أشكال التشرذم التي تدفع هذا الوطن دفعاً إلى التناثر كشظايا لا لون لها ولا طعم ولا رائحة.

كان موعداً لم يكتمل بيننا، وها أنت قد رحلت في زمن غريب، وربما كان رحيلك من حيث التوقيت على الأقل يحمل رسالة.

ارقد ياسيدي بسلام، فلم تكن إلا من أولئك الذين نثروا السلام، ورحلوا بسلام. والعزاء لنا جميعاً، بدءاً من أهلك وأسرتك الصغيرة إلى كل محبيك، إلى الكويت.

back to top