Ad

باغتيالهم هذا الرمز في هذه اللحظة أي بما تحول إلى مؤسسة وظاهرة، يكونون عملياً قد أراقوا دماً محملاً بكل أنواع الزخم القتالي على مدى صراع «حزب الله» التاريخي ضد إسرائيل، وهو ما يعني خلاصة عند أتباع هذه العقيدة القتالية استحضار مقولة انتصار الدم على السيف الشهيرة!

لقد نسي الإسرائيليون ربما للحظة في معادلة انعدام الوزن التي يعيشونها منذ انهيار أسطورة الجيش الذي لا يقهر في يوليو العام 2006، أن من يقاتلونهم على الجانب الآخر ليس فقط طلاب انتصارات مادية، بل هم طلاب شهادة أيضا تتمناها كل قياداتهم بكل شوق وتوق، يعرف عشاقها كيف يعتصمون بها كمنزلة انتصارات معنوية لا تقل أهمية عن الانتصارات المادية، كلما تراخت قبضات بعضهم عن السيف أو البندقية، كما يعرفون كيف يوظفونها من أجل إعادة استنهاض الآلاف وعشرات الألوف إن لم يكن الملايين من عشاق الشهادة والانتصارات!

باغتيالهم الحاج عماد مغنية، أهدى القادة الإسرائيليون قيادة «حزب الله» هذه الورقة الذهبية التي لو دفعوا البلايين من الدولارات ليحصلوا عليها ما كانوا قادرين على الحصول عليها بهذه السهولة!

لقد أرجع الإسرائيليون بهذه الخطوة «غير الموزونة» والخارجة على التوافقات الضمنية التي كانت تتحكم بين الإسرائيلي وخصمه اللدود على الجانب اللبناني، حسب توافقات وضمانات دولية غير معلنة، أرجعت حالة الحرب بينهم وبين الحزب عملياً إلى المربع الأول، المربع الذي بدأت به المقاومة الإسلامية خطواتها الأولى في بيانها الشهير الذي قرأه أحد قياداتها في بداية الثمانينيات من ضاحية بيروت الجنوبية وهو يشحذ النفوس والأفئدة والهمم من أجل تحرير القدس وتحرير فلسطين كل فلسطين!

هكذا قرأ بعضهم من أهل الخبرة الخطوة الإسرائيلية الحمقاء في اغتيال القائد العسكري الكبير الحاج رضوان أو الحاج عماد مغنية، وخطاب الأمين العام السيد حسن نصر الله الذي جاء بمناسبة تشييع جثمان الشهيد الثالث من جيل القيادة، في الضاحية الجنوبية قبل أيام ردا على الخطوة الإسرائيلية الحمقاء!

وهكذا تكون الهمم للمقاتل الخصم من «حزب الله» قد رجعت إلى ما كانت عليه في بداية الثمانينيات ولكن هذه المرة متسلحة بعشرات الآلاف من المقاتلين كما قال قائدهم نصر الله، بالإضافة إلى ترسانة هائلة من الصواريخ فضلاً عما اكتسبوه من خبرات ميدانية كبيرة، مقابل تراجع إسرائيلي فاضح وإخفاقات كبرى وقاتلة بطرف عدوهم هي ليست من نسيج دعاية الخصم، بل من تقريرات قاض من عندهم عينته القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية التي قادت الحرب مجتمعة!

إن «حزب الله» الخصم الذي كان بدأ يظهر لتوه، وكأنه تراجع إلى داخل المربع اللبناني الضيق، ولم تبق أهداف «عالية» يناضل من أجلها سوى إرجاع بعض الكيلومترات من الأراضي المحتلة المتنازع عليها ومن حولها، لبنانياً ودولياً، واستعادة الأسرى المتبقين رهينة بين يدي المحتلين الذين كان يفاوض عليهم في إطار صفقة تبادل مع الجنديين الأسيرين لديه، وهما القضيتان اللتان كان يمكن حسمهما في أول فرصة سانحة من فرص التساكن الدولي والإقليمي من دون عناء التورط بحروب جديدة، فتحت حادثة اغتيال الحاج عماد مغنية احتمالات واسعة بشأنها!

إن كل من يعرف العقيدة التي يرتكز عليها وينتمي إليها قادة «حزب الله» والمقاومة الإسلامية في جهادهم وكفاحهم ضد العدو الإسرائيلي يعرف تماما أن الضربة التي لا تقضي على الخصم من هذا النوع بل توجعه فقط وتؤلمه إلى حين هي ضربة ستقويه في النهاية وتعزز مواقعه في المعارك اللاحقة!

والضربة التي وجهت إلى الحاج عماد مغنية بعد أن أكمل مهماته القتالية والأمنية والتنظيمية كما أوضح الأمين العام لـ«حزب الله» وهو ما يعرفه الراسخون في العلم والتحليل لهذه الظاهرة هي من النوع الذي ليس فقط ستقوي الحزب والمقاومة بل من شأنها أن تشعل فتيل المقاومة، وتزيد من وهجها وكأن الأمور بدأت من جديد والمعركة عادت إلى مربعها الأول كما أسلفنا!

باغتيالهم هذا الرمز في هذه اللحظة أي بما تحول إلى مؤسسة وظاهرة، يكونون عمليا قد أراقوا دماً محملاً بكل أنواع الزخم القتالي على مدى صراع «حزب الله» التاريخي ضد إسرائيل، وهو ما يعني خلاصة عند أتباع هذه العقيدة القتالية استحضار مقولة انتصار الدم على السيف الشهيرة!

ومن لم يدرك ما حصل ليس عليه سوى ترقب الأحداث الكبرى التي سيحملها إلينا الزمن الجديد، ولن يطول الانتظار!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني