Ad

بالفعل لا أدري مَن يضحك على مَن؟! هل حكومتنا لاتزال مستمرة في ممارسة كوميدياها السوداء من خلال حقننا بهذه التصريحات الخرافية، وأساطير مدينة الحرير، والأبراج الأعلى في العالم، والتطورات الخارقة التي لم يخلق مثلها في البلاد؟

بالأمس كنت عائداً من سفر، وبعد هبوط الطائرة وأثناء سيرها على المدرج للوصول إلى البوابة، كانت عيني ترقب مبنى المطار من الخارج، فوجدتني أضحك من دون شعور مني وأنا أرى منظره المغبر المصفر المتهالك من الخارج. مثار ضحكي أني تذكرت حكومتنا الرشيدة حين خرجت علينا منذ فترة بأحد تصريحاتها بأنها تتجه إلى تحويل الكويت إلى مركز مالي عالمي!

لا أدري كيف صدق اقتصاديونا المحترفون مثل هذه التصريحات الحكومية، وخرج بعضهم يومها مشيدين بهذه الخطوة. ألم يتعلم هؤلاء عبر سنوات الخبرة الطويلة أن المسائل عندنا في الكويت ليست على الإطلاق تصريحاً تطلقه الحكومة والسلام؟ ألا يدركون حجم التشريعات الجديدة المطلوب سنها والقديمة المعقدة المطلوب تعديلها وتسهيلها، والوقت اللازم للمرور بكل درجات البيروقراطية الكويتية الجبارة للوصول إلى ذلك؟ أيجهلون مقدار اللغط والضياع البرلماني الذي سيحيط بالمسألة؟

ألا يعرفون أن تحويل الكويت إلى مركز مالي يحتاج إلى بنية تحتية مهولة ابتداءً من مطار قادر على استيعاب وتسهيل مهمة رجال الأعمال، مروراً بكل شيء بعد ذلك من مواصلات جيدة بأسعار منافسة، وفنادق كافية، ووسائل اتصال سهلة وفائقة، وخدمات عامة متطورة في كل مجال، إلخ؟ هل يدركون كم يحتاج هذا كله من وقت وأموال؟ وهل يعرفون حجم الفساد المالي والتنفيع والعبث الذي سيرافق هذا كله إن هو بدأ بالفعل؟ وهل يتخيلون الاستجوابات والأزمات السياسية التي ستدخل فيها البلاد حينها؟! وأخيراً، هل يعتقد أولئك الاقتصاديون أن الكويت وحين تصل إلى هذا الحلم بعد عشرات السنين، هذا إن وصلت إليه فعلاً، ستستطيع أن تقدم شيئاً أكثر تميزاً من دول المنطقة التي سبقتها بسنين طويلة وبدأت تقطف ثمار النجاح، بل وتعيشه كحقيقة ثابتة، مثل دبي وقطر ومعهما البحرين؟! هل يدركون هذا كله أم أنه كلام للاستهلاك الإعلامي والسلام؟!

بالفعل لا أدري مَن يضحك على مَن؟! هل حكومتنا لاتزال مستمرة في ممارسة كوميدياها السوداء من خلال حقننا بهذه التصريحات الخرافية، وأساطير مدينة الحرير، والأبراج الأعلى في العالم، والتطورات الخارقة التي لم يخلق مثلها في البلاد؟ أم أننا نحن الذين نضحك على أنفسنا بتصديقها كما يصدق الأطفال قصص سندباد وسندريللا وبيضاء الثلج التي تقصها عليهم الأمهات قبل النوم؟! مَن يضحك على مَن يا ترى؟!

* * *

أظن أن من قام بتهديد النائب علي الراشد بالقتل ليس سوى شخص غير متزن أو مخبول لا يمثل إلا نفسه. الكل يعرف، وبالأخص الليبراليين أنفسهم، أن الكويت لا توجد بها جماعات منظمة تنتهج مثل هذا النوع من الممارسات. نعم، قد يكون الموضوع خطيراً على مستوى أمن النائب شخصياً، ولكنه حتماً ليس ظاهرة عامة تستحق التهويل وجعلها أزمة ليبرالية- إسلامية.

أعتقد أن الأمر الجدير بالانتباه هو ردة فعل الإسلاميين تجاه مقترح نواب التحالف الوطني. وأنا أتكلم هنا باعتباري منهم. يا سادتي، من حق التحالف الوطني أن يقدم ما يشاء من مقترحات ومشروعات قوانين، ومنطقي أنه سيتقدم بتلك التي تنسجم مع منهجه الليبرالي، كالدعوة إلى إلغاء قانون منع الاختلاط مثلاً، وبغض النظر عن الأسباب التي سيسوقها لتبرير هذه المقترحات والمشروعات، ففي المقابل فلنا كإسلاميين ومن خلال نوابنا في البرلمان، أن نعارض دعواته التي نختلف معها، وفي نهاية الأمر سيكون التصويت هو الحكم.

يا سادتي، نحن قد ارتضينا الديموقراطية وآلية البرلمان لتسيير الأمور، ولا مناص من الاستسلام لنتائجها حتى إن جاءت بعكس ما نشتهي، فإن صرنا اليوم غير قادرين على كسب التصويت لمصلحتنا إما لاضطرابنا وإما لتفرقنا وإما لقلتنا ربما في يوم من الأيام، فالخلل فينا إذن وفي دعوتنا، وليس في الآلية، لذلك لنتوقف عن الزمجرة والتلويح بالأيدي والصراخ وإبداء الغضب من مقترح التحالف الوطني، ولنتجه إلى التفكير العملي والعمل المنظم الجاد للتصدي له من خلال البرلمان.