المهندسة فوزية... وفساد البلدية
يتداول كثير من الناس أمثلة على حالات الفساد الإداري والمالي المستشري في أجهزة الدولة المختلفة، ولكن دائماً ما يضرب المثل بالبلدية كحالة صارخة من حالات الفساد «اللي ما تشيله»، ليس فقط «البعارين»، بل الأساطيل البحرية الضخمة. وقد كانت هنالك تصريحات مختلفة في مناسبات وأوقات مختلفة لمسؤولين كبار تعترف بوجود الفساد في البلدية، ولكن على الرغم من أن الاعتراف بالمشكلة، هو أولى الخطوات العملية لحلها فإننا لم نر أي حلول ناجعة حتى الآن، بل بالعكس فإنه على ما يبدو أن حالات الفساد الإداري والمالي في البلدية والتفريط بأملاك الدولة من قبل المجلس البلدي تتناسب طرداً مع اعترافات المسؤولين بوجودها، مما يرسخ حالة الإحباط والشعور باليأس من الإصلاح التي يلمسها المتابع لدى عدد كبير من المواطنين، خصوصاً فئة الشباب.وآخر هذه الاعترافات بتفريط المجلس البلدي بأملاك وأراضي الدولة أتت على شكل صرخة شجاعة ومدوية للمهندسة الفاضلة فوزية البحر عضو المجلس البلدي في مقالها المنشور الأحد الماضي بجريدة «الراي» والموسوم «امسح واربح في المجلس البلدي»، لتؤكد فيه أن فساد البلدية في ازدياد، وأن هنالك بحسب كلام المهندسة فوزية: «تركة ثقيلة أضاعت مئات الألوف من أملاك الدولة وبكل كرم وجود أعطيت لذوي المقامات الرفيعة والنفوذ الاجتماعي ولشركات خاصة بلا حصر كمواقف سيارات، وشيدت جامعات خاصة على مئات الألوف من أراضي الدولة ومع الأسف في مناطق قريبة بأراض قيمتها ملايين الدنانير خصصت لهم وبكل سخاء بحجة تشجيع التعليم... وأراض أخرى لمستشفيات خاصة».
طبعا المهندسة فوزية تحدثت عن «ضياع» أراضي الدولة وعدد الجامعات الخاصة لايتعدى أصابع اليد الواحدة، فما رأيها والحكومة تبشر قبل يومين بـ 17 جامعة خاصة جديدة في العام الدراسي المقبل؟! الأمر الذي يثير القلق ليس فقط حول صعوبة ضبط الجودة الأكاديمية في الجامعات الخاصة، كما أشرنا في مقال سابق، بل القلق من التفريط في أملاك وأراضي الدولة أيضاً! وتبين المهندسة أيضاً، وبحسرة واضحة، بعضا من الأمثلة وليس كلها، على الموافقات التي منحها المجلس البلدي للتعدي على أراضي وأملاك الدولة ومنها؛ 6500 م2 كمواقف سيارات لشركة خاصة؛ وأيضا شركة خاصة أخرى أرباحها بالمليارات «مُنحت» 15000 م2 من أراضي الدولة وتطالب بـ 5000 م2 كمواقف سيارات!! لاحظوا أن هذه فقط بعض الأمثلة «البسيطة» التي تفضلت بذكرها المهندسة فوزية، فما بالكم لو «بطت الجربة»؟؟ والسؤال هو: إذا كانت المهندسة فوزية، وهي عضو المجلس البلدي لم تستطع أن تفعل شيئاً لوقف «الموج الهادر» من حالات الفساد والتعدي على أملاك الدولة التي للأسف تمهر بموافقات أعضاء من المفترض أن يكونوا مؤتمنين عليها، فرأت بشجاعة نحييها عليها أن «تبرئ ذمتها» من خلال هذه الصرخة الصادقة التي أتت على شكل مقال تصل فيه إلى نتيجة مؤداها أن «أراضي الدولة ضاعت لمشاريع خاصة لا تعود بالدرجة الأولى إلا لأصحابها بالنفع والربح، وبكل جرأة يطالبون بالمزيد».إذا كان هذا هو ما توصلت إليه عضو المجلس البلدي، فهل بعد ذلك نلوم المواطن البسيط والشاب العادي إذا كانت نظرتهما سلبية للمستقبل وغير مباليين بما يتداول إعلامياً عن «نوايا» إصلاحية للحكومة؟! وإذا كانت عضو المجلس البلدي تتساءل «ألم يكن هنالك من ضمير أو وازع ديني أو وطني؟، فإننا بدورنا نتساءل ما موقف أعضاء مجلس الأمة من هذه التعديات على أملاك الدولة؟ وما موقف وزير البلدية وموقف مجلس الوزراء الذي يهيمن على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية، حسب ما ورد في نص المادة 123 من الدستور؟!