بغت ترقعها... فعمتها
المشكلة إذن ليست في الإضرابات بل في الحكومة التي «ما تعرف راسها من كرياسها» والتي فتحت باب العطاءات لكل من «هب ودب» ثم جاءت لإصلاح أخطائها المتراكمة بعد «خراب البصرة».
في خطوة مفاجئة، ألغت الحكومة «الرشيدة» الكوادر التي أقرها مجلس الخدمة المدنية للعاملين في ثلاثة قطاعات مهمة وحيوية للبلد، وهذه الخطوة الترقيعية لا أستغربها أبداً من حكومة الترقيع «بامتياز مع مرتبة الشرف» التي تمضي في سياسة معيّنة ثم تعدل عنها عند منتصف الطريق من دون النظر إلى العواقب التي تترتب على قراراتها هذه. من أول نظرة، قد يبدو قرار إلغاء الكوادر قراراً «جريئاً» من الحكومة لوقف فوضى المطالبات بالكوادر، لكنه قرار خاطىء عملياً تجاه العاملين في هذه القطاعات الثلاثة، خصوصاً أن الكوادر قد تم اعتمادها بعد مفاوضات طويلة بين العاملين في هذه الجهات والحكومة، فإذا كانت الحكومة تنوي إقرار زيادة عامة بالتنسيق مع البنك الدولي، فلماذا أضاعت وقت النقابات ووقتها ووعدتهم باعتماد مطالبهم، ثم تأتي فجأة لتلغي جميع وعودها من دون النظر إلى الأثر النفسي الذي سيصيب العاملين في هذه القطاعات الحيوية في البلد، لاسيما أن هذه الكوادر لم تأت جُزافاً، بل تمت المطالبة بها نتيجة خلل في الأجور أوجدته الحكومة بنفسها، وذلك بإقرار كوادر ضخمة للعاملين في جهات أخرى، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وشعور بعدم الإنصاف؟! وترتب على ذلك عدم وجود الحوافز الكافية لاستمرار العاملين في هذه القطاعات بعملهم، فالمهندس في القطاع النفطي، مثلاً، لا يجد سبباً مقنعاً للبقاء في عمله الشاق مع عدم وجود فارق مجزٍ بينه وبين العاملين في الوزارات الأخرى بعد إقرار كادر المهندسين قبل ثلاث سنوات، ومع وجود حوافز ومميزات أكبر في قطاع التعليم التطبيقي وبجهد أقل. الجدير بالذكر أن تسرّب العناصر الوطنية بدأ منذ مدة في القطاع النفطي، ومن المحتمل استمراره بشكل أكبر مع قرار الحكومة الأخير، خصوصاً مع سياسة الشركات النفطية القائمة على استعارة الأجانب من القطاع الخاص لملء الفراغ، فالطبيب أيضاً يشعر منذ مدة طويلة بعدم الإنصاف نظير الجهد الكبير الذي يقوم به يومياً، لاسيما عندما ينظر إلى مكاسب العيادات الخاصة وإلى نظرائه في الدول المجاورة. فإذا كانت الحكومة جادة فعلاً في وقف المطالبات العشوائية بالكوادر، فعليها إلغاء جميع الكوادر التي أقرّتها منذ ثلاث سنوات إلى الآن بانتظار إقرار زيادة عامة لجميع العاملين في القطاع الحكومي حتى يشعر الجميع بالمساواة، أما أن تقوم بإغلاق الباب عند منتصف الطريق بحيث يحظى قسم من المواطنين بمكاسب معينة بينما يحرم منها قسم آخر وينتظرون إلى إشعار آخر، فإن هذا سيسبب مشكلة بين العاملين في القطاعات الحكومية نتيجة الشعور بعدم الإنصاف، وهو ما سيؤدي بدوره إلى انحدار الإنتاجية، وهو أمر خطير جدا خصوصاً في هذه القطاعات الثلاثة. فالمشكلة إذاً ليست في الإضرابات بل في الحكومة التي «ما تعرف راسها من كرياسها» والتي فتحت باب العطاءات لكل من «هب ودب» ثم جاءت لإصلاح أخطائها المتراكمة بعد «خراب البصرة».