Ad

حيث إن للبرلمان وظيفتين أساسيتين، هما التشريع والرقابة، فقد درجت الأدبيات السياسية على عدم إعطاء الوظيفة الرقابية الوزن الذي تستحقه في سياق العملية السياسية، ولئن كانت الوظيفة التشريعية واضحة المعالم، فلا يمكن أن يصدر قانون إلا من خلال موافقة البرلمان وفقاً للنصوص الدستورية المنظمة، إلا أن الوظيفة الرقابية تعاني في عمومها وفي تفاصيلها الكثير من الإشكاليات والخلل، الأمر الذي قد يقودها إلى عدم الفعالية، بل إلى الضعف والترهل، ويعود ذلك في كثير من الأحيان إلى تعقيد العملية الرقابية، وعدم وضوح نتائجها والأدوات التي تستطيع بكفاءة وانسجام مع الأجهزة الأخرى في التنفيذ والتشريع والقضاء، أن تحقق نتائج واقعية وملموسة على الأرض.

بالنظر إلى غموض العملية الرقابية في مواقع عدة بوجه العموم ،فإن الأمر يصبح أكثر صعوبة وأقل فعالية وأدنى كفاءة، عندما تكون الرقابة تستهدف الإنفاق العسكري الذي يتم التعامل معه في إطار من السرية تحت مبررات عديدة، كالمحافظة على أسرار الدولة وعدم الإضرار بالأمن القومي للدولة، ما يجعل بندا مهما وعالي التكلفة كبند الإنفاق العسكري، يتحول إلى شأن خاص في السلطة التنفيذية، ولا يُسمح فيه للسلطة التشريعية بالتأثير في مجرياته ولا تحديد مرئياته أو مبررات أبوابه.

ويبدو أن هذه الوضعية تكاد تكون هي السائدة في الدول العربية قاطبة، حيث يحظر في الكثير من الحالات حتى اطلاع البرلمان على ميزانية الإنفاق العسكري، وأحيانا الاطلاع فقط من دون مناقشة، وأحيانا المناقشة في جلسة سرية من دون التأثير الفعلي، وأحيانا المناقشة بدرجات مختلفة مع استخدام أدوات المساءلة البرلمانية، ويتم خلالها إحداث تأثيرات جزئية على مسارات الإنفاق العسكري.

ويبدو أن مجلس الأمة في الكويت يقع في الخانة الرابعة التي تتم فيها مناقشة ميزانية الدفاع العامة بجلسة سرية استثناءً من ميزانية الدولة العامة، كما يتم فيها استخدام الأدوات والوسائل المتاحة للبرلمان، كالأسئلة والاستجوابات ولجان التقصّي، في التعامل مع الإنفاق العسكري.

(1) - النظام البرلماني في الكويت

يستند النظام البرلماني في الكويت على الدستور الذي صدر في 11نوفمبر 1962، من خلال مجلس تأسيسي منتخب بعد استقلال الكويت عن بريطانيا في 19 يونيو 1961، حيث قام أمير الكويت آنذاك الشيخ عبد الله السالم بالتشاور مع النُخب السياسية الكويتية، والدول العربية، والمجتمع الدولي، بالاتفاق على ضرورة أن تنتهج دولة الكويت المستقلة النهج الديموقراطي، وبدلا من أن يقوم الأمير بإصدار دستور منحة، ثم يعرضه على الاستفتاء الشعبي، فقد جرى الاتفاق على انتخاب هيئة تأسيسية يكون غرضها الأساسي مناقشة وإقرار الدستور من خلال نقاش علني بالاتفاق مع أمير البلاد. فمن خلال الاطلاع على محاضر لجنة الدستور المنبثقة عن المجلس التأسيسي، التي كانت حتى عدة سنوات تعد وثائق سرية، يتضح أن أعضاء لجنة الدستور ومن ثم أعضاء المجلس التأسيسي، قد قاموا بنقاش مسودة الدستور نقاشا فعليا وليس شكليا. بل وجرى تعديل مواد عديدة استنادا على ذلك النقاش.

وتقرر المادة (6) من الدستور بأن نظام الحكم في الكويت ديموقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا، كما تؤكد المادة (50) على فصل السلطات، فنظام الحكم يقوم على مبادئ فصل السلطات المرتكزة في عملها على التعاون بعضها مع بعض بالتوافق مع مواد الدستور، ولا يسمح لأي سلطة بالتخلي، كليا أو جزئيا، عن صلاحياتها المنصوص عليها في الدستور.

كما تؤكد المادة (70) أن الاتفاقيات تصدر عن الأمير بمرسوم أميري، ثم يحيلها مباشرة على المجلس، مع توضيح رأيه في الاتفاقية، وتصبح الاتفاقية قانونا محليا بعد التوقيع ومن ثم المصادقة عليها ونشرها في الجريدة الرسمية. إلا أن الاتفاقيات المعنية بالسلام، والتحالفات، أو الاتفاقيات المعنية بأراضي مملوكة للدولة، أو الموارد الطبيعية أو الحقوق السيادية أو حقوق المواطنين العامة أو الخاصة، أو الاتفاقيات التجارية أو الملاحة أو الإقامة أو الاتفاقيات المعنية بمصاريف إضافية لتلك المذكورة في الميزانية، أو معنية بتعديلات على القوانين في الكويت، فإنها لا تصبح فاعلة إلا من خلال صدورها بقانون.

كذلك فإن المادة (70) تؤكد عدم جواز تضمين الاتفاقيات أي بنود سرية قد تتناقض مع تلك البنود المعلنة، كما تتعامل المواد من (134) وحتى (156) مع الشؤون المالية، حيث تؤكد المادة (144) على وجوب صدور الميزانية بقانون، الأمر الذي يعني إعطاء البرلمان فرصة أكبر في مناقشة الميزانية العامة للدولة بصورة سنوية، كذلك نجد المادة (151) تمنح المجلس دورا أكبر في الرقابة على ميزانية الدولة، وذلك من خلال إنشائها لديوان المحاسبة، وهو جهاز خاضع لمجلس الأمة، حيث يعين مجلس الأمة رئيس الديوان.

وعلى الرغم من أن ديوان المحاسبة كان قد تعرض للتشكيك في فعالية دوره في بدايات نشأة مجلس الأمة، كما جرى في جلسة 15/11/1966، حيث انتقد النواب تأخر الديوان في إرسال تقاريره إلى المجلس، وشككوا في قدرته على الرقابة على أجهزة الدولة، كما شككوا في قدرته على الحفاظ على أسرار الدولة، وعدم الانسجام بين رئيس الديوان ووكيل الديوان وعدم قدرتهما على حل خلافاتهما، ما اضطر النواب إلى عقد جلسة سرية لمناقشة الإشكاليات التي تواجه عمل الديوان. إلا أن الديوان أخذ تدريجيا يلعب دورا فاعلا وأساسيا في تحديد جوانب المخالفات المالية والمحاسبية التي ترتكبها جميع أجهزة الدولة، حتى أصبح تقريره السنوي يمثل المرجعية الأهم لمتابعة المخالفات المالية للدولة.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل وجدنا ديوان المحاسبة حتى في ذلك الوقت المبكر من النظام البرلماني، يشكو من تدخلات مجلس الوزراء في دعم ما رآه مخالفات ارتكبتها لجنة المناقصات المركزية، وعدم التزامها بشروط ترسية المناقصات.

وقد وجد ديوان المحاسبة أصواتا نيابية مؤيدة له في ضرورة مراقبة لجنة المناقصات المركزية، وأدت تلك الشكوى وغيرها إلى تقييد صلاحيات لجنة المناقصات بصورة تتوافق مع اللوائح المحاسبية المعتمدة لدى ديوان المحاسبة . إلا أنه ومع تفعيل دور ديوان المحاسبة وتمكينه من مراقبة الممارسات المالية في أجهزة الدولة، فإنه يظل قاصرا، حيث إنه في حاجة إلى إضافة تشريع لقانون ديوان المحاسبة يتيح له إحالة المخالفات الجسيمة على النيابة، وهو أمر يوضح أن ديوان المحاسبة يرى فيها مسؤولية لا يرغب في عملها.

أما بالنسبة للسلطة القضائية فتؤكد المادة (163) على استقلاليتها، وأن إدارة شؤونها تتم من خلال قضاة لا يخضعون لسلطات أي سلطة أخرى، وأنه لا يسمح بأي تدخل من أي نوع في الشأن القضائي، وأن القانون يضمن استقلال السلطة القضائية ويحدد البنود والظروف التي يتم فيها إعفاء القضاة من مهامهم.

وفي سبيل ذلك، فإن السلطة القضائية تُدار بواسطة مجلس قضاء أعلى يتم تنظيمه بقانون خاص حسب المادة (168) من الدستور. أما بخصوص الدستور فإنه من غير الجائز تعليقه بأي صورة من الصور حسب المادة (181).

إلا أن الملاحظ على مسيرة النظام الديموقراطي في الكويت، أنها لم تكن على درجة عالية من الالتزام بتلك المبادئ الدستورية، حيث لم يكن هناك التزام على الإطلاق بالمادة رقم (181) القائلة «بعدم جواز تعليق الدستور بأي شكل من الأشكال»، حيث تم تعليق عدة مواد من الدستور في عامي 1976 و1986، فقد تم في الحالتين حل مجلس الأمة من دون الالتزام بالدستور الذي يحدد فترة 60 يوما للدعوة إلى انتخابات جديدة بعد حل مجلس الأمة، حيث ظلت البلاد تحكم منفردة من الحكومة منذ عام 1976 وحتى عام 1981، أما في الحالة الثانية فقد استمرت السلطة التنفيذية هي المهيمنة على أمور الحكم منذ 1986 وحتى 1992.

ويلاحظ أيضا أنه في كلا الحالتين فإن نتاج ذلك الحكم الانفرادي وتجميد الدستور نتج عنهما كوارث وطنية، ففي المرة الأولى تم السماح بنشوء التداولات غير القانونية في سوق المناخ، ومن ثم انهيار سوق المناخ وما ترتب عليه من فقدان الثقة بالنظام المالي للدولة، أما في الثانية فقد انتهت بالغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس 1990.

ومع أن مجلس الأمة قد تعرض للحل مرتين بعد ذلك التاريخ في عام 1999 وعام 2006، إلا أن كلا الحلّين كانا متوافقين مع الدستور، حيث تمت الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة خلال أقل من 60 يوما من تاريخ الحل بموجب نص الدستور.

ويلاحظ أن الرقابة على الإنفاق العسكري تصبح معدومة في الفترة أو الفترات التي يغيب فيها مجلس الأمة، وقد لاحظنا أن ذلك يصبح في أقصى حالاته في ميزانية تعزيز الدفاع، كما سيأتي لاحقا.

(2) - تطور الرقابة البرلمانية على ميزانية الدفاع

1- الميزانية العامة وميزانية التعزيز

يقوم مجلس الأمة بدور تشريعي ورقابي من خلال مراجعته وإقراره للميزانية العامة للدولة، كما يقوم بممارسة نوع من أنواع الرقابة على ميزانية وزارة الدفاع، وهي تتعرض للكثير من محاولات الإخفاء وعدم الإفصاح، وعلى الأخص في الإصرار بصورة تقليدية على المبالغة في المناقشة السرية بصورة مطلقة، حتى وإن لم يكن هناك حاجة لتلك السرية، وهو كما سنوضحه بشكل دقيق كان أمرا خاضعا للجدل حتى عام 1976.

وعلى الرغم من أن إقرار الميزانية السنوية للدولة يأتي من خلال المادة (144) من الدستور، التي تشترط صدور الميزانية بقانون وبالتالي من خلال مجلس الأمة، إلا أنه من المثير للانتباه أن المبالغ الكبيرة في ميزانيات التسليح لا تأتي عادة ضمن الميزانية السنوية التقليدية، ولكن في إطار ما يسمى بميزانية تعزيز الدفاع، وهي ميزانية خاصة تختلف عن الميزانية السنوية للدفاع التي كان آخرها على سبيل المثال ميزانية التعزيز في شهر يوليو 2007، والتي قدرت بـ 360 مليون دولار، منها 155 مليونا للحالات الطارئة و179 للإسناد الأميركي، وقد اعتمدها مجلس الأمة بموافقة 43 عضوا ومعارضة 3 أعضاء.

وعادة ما تتم الإجراءات العادية للميزانية من خلال قيام الحكومة بتقديم مشروعها للميزانية، الذي تحدد فيه احتياجاتها المالية للسنة القادمة للجنة المالية في مجلس الأمة التي تم تحويلها أخيراً إلى لجنتين، إحداهما للمالية والأخرى للميزانيات، وهي خطوة جيدة في سبيل تركيز العمل في الميزانيات وإنجازه على الوجه السليم.

وتقوم لجنة الميزانيات بعد دراسة مشروع الحكومة بعرضه على المجلس واتخاذ القرار المناسب بشأنه، وهي تأتي ضمن الميزانية السنوية للدولة.

2 - جلسات مناقشة ميزانية وزارة الدفاع

لعل المحطة الأساس التي ربما بدأ فيها الانطلاق نحو الرقابة وتفعيلها، كانت في دور الانعقاد العادي الأول من جلسات مجلس الأمة، حيث جرى في الجلسات الثلاث الأخيرة 12 و15 و16 يونيو 1963، وضع الخطوط العامة لما سيتم التأسيس عليه مستقبلا، ففي التقرير الذي قدمته اللجنة المالية والاقتصادية لمشروع ميزانية 1963/1964، والذي أوضحت فيه أنها عقدت 13 اجتماعا في الفترة الواقعة ما بين 18/5 وحتى 5/6/1963 بحضور جميع مسؤولي الدولة بمن فيهم مسؤولو وزارة الدفاع، فإنها قررت تخفيض ميزانية الدولة بما نسبته %30 بما في ذلك ميزانية الدفاع، ولا يبدو أن ذلك الأمر قد كان مريحا أو مقبولا لوزير الدفاع آنذاك الشيخ محمد الأحمد.

وقد أدلى الأعضاء بدلوهم في الموضوع من دون التطرق إلى فصل وزارة الدفاع عن غيرها، بل ضرورة مناقشة الوزارات مجتمعة من خلال أبواب الميزانية وليس كل وزارة على حدة. وقد أصر د. أحمد الخطيب على حصافة هذا الأسلوب تجنبا لتكرار الموضوعات في كل وزارة واستجابة لاعتراض وزير الدفاع قال «فلنناقش الوزارات مجتمعة ثم نأتي على الدفاع». إلا أن النائب عبد الرزاق الخالد عاد ليؤكد على أن أمر تقرير وزارة الدفاع يعود إلى المجلس «لأننا لم نصل فيه إلى نتيجة»، فما كان من وزير الداخلية آنذاك الشيخ سعد العبد الله إلا أن أكد على أن «لوزارة الدفاع طبيعة خاصة يحيطها الكتمان والسرية، وهو أمر متبع في الكويت والدول الأخرى، لذلك فهي غير ملزمة بتقديم ما لديها من أخبار ترى أنها سرية إلى أعضاء لجنة الشؤون المالية -مع احترامي لهم-». وعاد وزير الدفاع مرة أخرى ليعترض على تخفيض الميزانية، بل «يجب أن تكون أكبر ميزانية في الدولة، فالدول تضيق على نفسها لتقوية دفاعها».

وعاد النائب جاسم القطامي ليعترض على ما قاله وزير الداخلية، مؤكدا أنه لا يرغب في بحث موضوع المبالغ المخصصة بقدر ما يريد الحديث عن موضوع السرية، قائلا إن «مبدأ السرية المتبع في الدول الأخرى لا ينطبق على اللجان الخاصة بمجلس الأمة، ففي كل دولة لجنة خاصة تطّلع على التفاصيل، فإذا لم تثق الحكومة بأعضاء مجلس الأمة فهل تثق بموظفيها، حيث تعطي الوزارة أسرارها لموظفين بعضهم غير مواطنين، وأتصور أن السرية ستكون محفوظة بلجنة من 4 أو 5 أشخاص»، ثم أضاف «أما النقطة الأخرى فإنه ليست كل ميزانية وزارة الدفاع سرية، فهناك المشتريات (غير الذخيرة والمدافع) وأبواب أخرى كثيرة ليست سرية، فلماذا لا تتم مناقشتها، فأجهزة التكييف مثلا تم شراؤها من دون مناقصة، وهناك أقاويل بأن أجهزة أخرى تم شراؤها من دون مناقصة، فمن المصلحة أن تطّلع اللجنة على تلك البنود وبإمكان المجلس أن يحدد ما هو سري وما هو غير ذلك».

وقد جرى استكمال النقاش في جلسة 16يونيو 1963، حيث أعاد وزير الدفاع ووزير الداخلية اعتراضهما على تخفيض ميزانية وزارة الدفاع، كما أثار بعض النواب أن اللجنة المالية كانت تقوم بالاطلاع على الأمور الخاصة بمشتريات ليست فيها بنود سرية، وتترك الأمور السرية. إلا أن مقرر اللجنة محمد قبازرد أكد على أن اللجنة اطلعت على البنود السرية وغيرها، فأثار النائب خليفة الجري حالة ما إذا أرادت وزارة الدفاع شراء طائرة مثلا في الظروف الاستثنائية، فهل يضاف لها ميزانية أخرى، فما كان من الرئيس إلا التأكيد على أن الحالة الاستثنائية يواجهها المجلس والحكومة في حينها.

3 - إشكالية السريّة

بدأ التأسيس لقواعد العمل البرلماني في مناقشة ميزانية وزارة الدفاع، وتم في جلسة 1/4/1964 عقد جلسة سرية لمناقشة ميزانية وزارة الدفاع، ولا يبدو أن الأمر قد استقر، حيث ظل النزاع والجدل حول سرية مناقشة ميزانية وزارة الدفاع، وهكذا وجدنا جلسة 24/6/1972 تشهد جدلا حادا حول مبدأ السرية، حيث اعتبر الأعضاء أن رئيس المجلس كان يحاول عدم مناقشة ميزانية وزارة الدفاع، ودفع هذا بالنائب محمد الرشيد ونواب آخرين إلى الإصرار على المناقشة، وطلبوا رأي الخبير الدستوري الذي أوضح بأن «النص الدستوري صريح حيث تتم مناقشة الميزانية باباً باباً، وعندما يأتي ما يتعلق بوزارة الدفاع بإمكان 10 أعضاء إذا أرادوا التقدم بطلب المناقشة السرية ويعود الأمر في ذلك إلى المجلس، وإذا كانت السرية قد قررت في العام الماضي أو الذي قبله بالنسبة لميزانية وزارة الدفاع، فليس هذا بملزم للسنوات اللاحقة فكل سنة تحتاج إلى قرار خاص بالسرية»، فرد محمد الرشيد «هل المجلس يقدم طلبا بالسرية أم الحكومة؟»، فأجاب الرئيس: «من حق الرئيس أو الحكومة أو عشرة أعضاء»، فأصر محمد الرشيد على المناقشة العلنية، فرد وزير الدفاع «إذا كان المجلس يرغب في مناقشة ميزانية وزارة الدفاع فالحكومة ليس لديها مانع، إنما يجب أن تتم في جلسة سرية خاصة». وهكذا تم إخلاء القاعة وبدأت الجلسة في الساعة 1:45 وانتهت في تمام الساعة 3:10.

وعاد النقاش حادا مجددا حول موضوع سرية الجلسات في العام التالي بجلسة 1/4/1973، كما شهدت جلسة 8/7/1975 نقاشا حادا وموسعا حول مبدأ السرية لجلسات وزارة الدفاع، وفتحت موضوعات متشابكة، إلا أنها انتهت بعقد جلسة سرية. ويلاحظ بأن مجلس 1975 قد تم حله في صيف 1976 وعادت الانتخابات مرة أخرى عام 1981 بعد تعديل الدوائر الانتخابية من 10 دوائر إلى 25 دائرة انتخابية، ما جعل مجلس 1981 مجلسا يتصف بكونه مجلسا «هادئا».

وهكذا بدأت قضية سرية مناقشة ميزانية وزارة الدفاع في جلسة سرية خلال جلسة 1/7/1981 وجلسة 16/6/1982 ثم جلسة 4/5/1983 ثم جلسة 30/5/1984. ولم يشهد مبدأ سرية المناقشة جدلا يذكر منذ ذلك الوقت، ما يدل على أن المبدأ قد استقر، حيث أصبح أمرا اعتياديا أن تطلب الحكومة جلسة سرية لمناقشة ميزانية وزارة الدفاع، وحتى ميزانية التعزيز، كما حدث في جلسة 6/6/1983.

4 - تطور الرقابة البرلمانية على الإنفاق العسكري

شهد مجلس 1985 نقاشات حادة ومطوّلة حول موضوع الرقابة البرلمانية على ميزانية الدولة، انعكست باستجواب وزير العدل وطرح الثقة به ما أدى إلى استقالته، كما انعكست على تصويت المجلس تكليف أحد النواب بالانضمام إلى البنك المركزي لفحص مصروفات الحكومة من خلال البنك، بالإضافة إلى تقديم 3 استجوابات في يونيو 1986 لوزراء النفط والمالية والمواصلات، ما أدى في نهاية الأمر إلى حل مجلس الأمة حلا غير دستوريا في صيف 1986 في إجراءات حكومية توحي بإلغائها للبرلمان نهائيا، وفرضها للرقابة المسبقة على الصحافة، ولم يعد البرلمان إلى الانعقاد إلا بعد تحرير الكويت بنحو سنتين من خلال انتخابات جرت في أكتوبر 1992.

وقد كان واضحا بأن مجلس 1992 يندفع في اتجاه تفعيل الرقابة البرلمانية على شؤون الحكومة المالية عموما، وعلى الإنفاق العسكري خصوصا، واتضح ذلك الاتجاه في جلسة 10/8/1993 عند مناقشة ميزانية تعزيز الدفاع، حيث سعت اللجنة المالية إلى التفريق بين قانونين سابقين كانا قد صدرا عام 1981 (قانون رقم 27 /1981) وعام 1987 (قانون رقم 33/1987)، وتفويض مجلس الدفاع الأعلى بتخصيص المبالغ اللازمة لكل سنة مالية، وذلك خلال عشر سنوات ابتداء من السنة المالية 1980/1981، وقررت اللجنة المالية تأجيل النظر في قانون (172/1992).

وكان واضحا أن مجلس الأمة أراد التعامل بجدية مع ميزانيات التعزيز التي لوحظ أنها تصدر دائما في غياب مجلس الأمة، حيث لوحظ أن قانون 1992 قد صدر لفترة وجيزة قبل انتخابات مجلس الأمة، ولذا أراد المجلس أن يتعامل معه بصورة منفردة، وقد أدى هذا الأمر إلى انزعاج الحكومة، حيث أبدى وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء اعتراضه مطالبا بدمج القوانين بعضها مع بعض. إلا أن النائب أحمد باقر أكد على عدم إمكان دمجها، حيث أن القانونين السابقين كانا قبل الاحتلال أما قانون 1992 فهو يتعامل مع الميزانية القادمة، وأمام هذا الموقف طلب الوزير التصويت على دمج القوانين، وطالب رئيس اللجنة المالية بإتاحة الفرصة للنقاش من قبل الأعضاء، حيث يريدون معرفة كيف صرفت الأموال قبل الاحتلال، إلا أن الوزير أصر على عدم النقاش وطلب التصويت، فكانت النتيجة سقوط قرار الحكومة، وجرى على إثر ذلك نقاش ساخن واتهامات حادة للحكومة بالفساد وتبديد الأموال.

وقد تبع ذلك نقاش حاد في الجلسة اللاحقة المخصصة لميزانية التعزيز، وذلك في جلسة 21/8/1993، حيث اتضحت رغبة المجلس واستعداده لوضع ضوابط على الإنفاق العسكري للحكومة، وقد طرح النواب تساؤلات حيث أبدى النائب مبارك دويلة استغرابه لطلب الحكومة الموافقة على ميزانية للتسليح بقيمة 3.5 مليارات دينار (12 مليار دولار)، علما بأنه قد تم إنفاق نصف المبلغ تقريبا، وقد تم سؤال وزير الدفاع عن السبب وراء طلب مثل هذا المبلغ الضخم، فكانت إجابته بأن ليست هناك دولة من دون سلاح، كما أن الاتفاقيات الأمنية مع الدول الشقيقة والصديقة تحتاج إلى مبالغ لشراء أسلحة، فتساءل النائب: أين ذهبت ميزانية 1988، فكانت إجابته بأن الغزو قد دمر %90، فتساءل النائب عن سبب عدم القتال في سنة 1990، فكانت إجابته بأننا لو قاتلنا لتم تدمير الكويت، ويستطرد النائب الدويلة: إذا كان هذا هو منطق القيادة العسكرية، فلماذا إذا نطلب 35 مليار دينار للتسليح؟ فإن كان السلاح الذي يتم شراؤه لا يستخدم للقتال، فلماذا أشتريه بالأساس ومهما دفعت من مبالغ فإنها لن تكون كافية». وأوضح بأن 200 دبابة أخذت قبل أن تستعمل و150 صاروخا كانت على جيباتها تم أخذها من لواء عريفجان وهي لم تستعمل كذلك، كما أخذ الخصم العراقي المئات من صواريخ هوك وهي لم تستعمل بعد، فلماذا هذا المبلغ الضخم؟ وأكد على عدم ضرورة شراء السلاح الذي تحتاجه البلاد خاصة أننا نمر بأزمة مالية خانقة فلا داعي لسلاح ينتهي بالمخازن»، وضرب مثلا بالمدفع الفرنسي الذي اشترته الكويت مع أنه غير صالح للكويت كما يؤكد الفنيون، ودعا إلى تهيئة الرجال قبل شراء الأسلحة، مدللا على أن الكلية العسكرية مازالت مغلقة حتى بعد مرور 3 سنوات، وينطبق ذلك الشيء على طائرات «أنتوكانوا» التي تم شراؤها للتدريب ومازالت في بلادها، نحن نشتري السلاح ثم نبحث عن الرجال، كما تحدث عن عمولات من شركة فرنسية.

كذلك، فقد تحدث النائب يعقوب حياتي متعرضا للاتفاقيات الأمنية ومشككا في بنودها السرية، مؤكدا على أنه حتى وزير الدفاع لا يعرف تلك التفاصيل وطالب بوقوف المجلس ضد المرسوم.

ثم تحدث النائب عبد الله النيباري في نفس الاتجاه، كذلك تحدث النائب أحمد شريعان مطالبا النواب بأن يقفوا ضد القانون، حتى يحصلوا على إجابات مقنعة عن المبالغ السابقة، فهل تم ترحيلها؟ وأكد على المطالبة بجدول يوضح أين ذهبت تلك المبالغ، حيث أوضح مقرر اللجنة المالية مفرج نهار أن اللجنة لم تنظر في المراسيم السابقة وكانت تحصيل حاصل، إلا أن قضيتنا الأساسية هي مرسوم 46/1992 فقد سحبت الحكومة منه حتى الآن 1300 مليون دينار من أصل 3500 مليون دينار.

وعلى ضوء ذلك، تقدم النواب عبد الله النيباري ومشاري العصيمي وأحمد شريعان وطلال السعيد ومبارك دويلة، باقتراح بإعادة مرسوم القانون إلى اللجنة المالية لإعادة دراسته، بالتشاور مع لجنة تقصي الحقائق في أحداث الغزو، وقد وافق المجلس على الاقتراح، وعاد النواب مجددا ليتقدموا باقتراح جديد وقعه كل من النواب مبارك دويلة، عبد الله النيباري، عبد العزيز العدساني، محمد المرشد وأحمد باقر بالتوصية للحكومة بالتوقف عن الصرف مؤقتا من ميزانية التسليح حاليا، لحين البت النهائي في المرسوم من قبل مجلس الأمة.

وقد طلب النائب أحمد السعدون سماع رأي الحكومة، مؤكدا أن التأجيل لا معنى له، وقد رد وزير الدفاع بأن الوزارة لديها التزامات بشراء أسلحة وجدولة الدفعات، وأكد على عدم إمكان التوقف عن الصرف من الناحية العملية، خاصة لما تم شراؤه والتعاقد عليه، أما التوقف عن الشراء والتعاقد الجديد فمن الممكن القيام والالتزام به.

وهنا أكد النائب السعدون على اتفاقه مع الوزير حول ما تم التعاقد عليه، لكنه طالب بالتزام الحكومة بعدم عقد أي صفقة جديدة إلا بعد أن يبت المجلس بالمرسوم، ومع ذلك فقد احتج وزير الدفاع بعد وضوح المطلوب «فما معنى إلى أن يبت المجلس بالمرسوم، فما هي المدة الزمنية المحددة؟ وهل هناك طريقة لاستعجال المجلس؟»

ورد النواب بأن ذلك يعود إلى المجلس والحكومة معا، وهنا أثيرت معلومة قالها الوزير أمام اللجنة المالية، بأنه لم يتبق من ميزانية التعزيز إلا 500 مليون دينار، وأنه قد تم إنفاق أغلب المبلغ، ثم عاد النائب النيباري ليطالب الوزير بحجم الالتزامات التي تعاقدت بها الوزارة من أصل 3500 مليون دينار، وأبدى خشيته من أن تكون تكلفة الجندي الكويتي أكبر من تكلفة الجندي الأميركي، وتابع النائب عبد المحسن جمال بأن السؤال إلى الوزير محدد لإنهاء التضارب بين وزير المالية ووزير الدفاع وبين المقرر وبين النواب، وسأل عن قيمة المبلغ الذي تم الالتزام به. وبعد تردد وضغوط مكثفة من النواب أجاب الوزير بأن المبلغ الملتزم به هو 1200 مليون دينار، أي بمعنى آخر أن المتبقي هو 1300 مليون دينار.

كان واضحا من الأداء الذي تم في بدايات مجلس 1992، بأن هناك تركيزا واضحا من قبل النواب على تفعيل الرقابة على ميزانية التسليح، وقد بدا أن هناك تغيرا نوعيا في ذلك الأمر، وقد استفاد النواب من أن ميزانية التعزيز قد تم نقاشها في جلسة علنية ولم تكن كالجلسة التقليدية الخاصة بوزارة الدفاع، ويبدو أن ذلك الزخم الملحوظ مرتبط إلى حد كبير بطبيعة مجلس 1992، فهو مجلس ضم في صفوفه جميع القوى السياسية التي قد تصنف كمعارضة، وكان عدد كبير منهم في صفوف الحركة الدستورية التي قمعتها الحكومة خلال عامي 1989 و1990 قبيل الغزو العراقي للكويت. إضافة إلى أن المجلس هو أول مجلس بُعيد تحرير الكويت والشعور العارم بتقصير الحكومة في مهامها بالدفاع عن الوطن، وظهور الحكومة بصورة أضعف تجنبا لمواجهة قد تكون هي الخاسرة فيها. ويتضح إذا أن أداء وممارسة مجلس 1992 في الإطار والسياق السياسي الذي أتاح له ذلك، كان نقطة انطلاق محورية في إعلاء السقف الرقابي على ميزانية التسليح، حيث بدأ المجلس يأخذ دورا أكثر فاعلية، وإن كانت تلك الرقابة تعاني من قصور واختلالات هيكلية تحول دون فعاليتها بشكل مطلق.

في إطار برنامج الحكم الرشيد الذي ينظمه برنامج الامم المتحدة الانمائي بالاشتراك مع مركز جنيف للرقابة على القوات المسلحة، قدم الدكتور غانم النجار بحثا بعنوان الرقابة البرلمانية على الانفاق العسكري في الكويت ضمن ورشة عمل عقدت في البرلمان البلجيكي وقد شارك في الورشة من الكويت كل من النواب د. ناصر الصانع وعلي الراشد ود. علي العمير واحمد لاري بالاضافة الى عبدالكريم الغربللي ود. ابتهال الطاهر والمحامي يعقوب الصانع.