إنهم يدنسون ساحة الإرادة!

نشر في 02-03-2008
آخر تحديث 02-03-2008 | 00:00
 سعد العجمي

ستبقى ساحة الإرادة، ساحة لكل شيعي وسني وحضري وبدوي وبدون، شرط أن يعلو صوت الكويت على الهتافات كلها التي تتردد في جنباتها، وأن يرفرف شعار «الله... الوطن... الأمير» فوق كل راية أو لوحة ترفع فيها.

يومها كنت أغطي لقناة «العربية» أول تجمع في ساحة الإرادة على خلفية أزمة تعديل الدوائر، حين تقدمت إلى إحدى «البرتقاليات» وتحدثنا قليلاً قبل أن تناولني علم الكويت الذي نصبته في الساحة بجانب عشرات الأعلام الصغيرة، أحد المصورين التقط الصورة، وفي الصباح فوجئت أنها على الصفحة الأولى لإحدى الصحف... هذا ليس مهماً لكن الأهم أن مَن أعطتني العلم فتاة شيعية «حضرية» وأنا بدوي «سني» جمعنا حينها «ومازال» حب الوطن.

منذ ذلك التجمع الأول الذي نظم تحت شعار «من يجرؤ» ليلة جلسة الدوائر الشهيرة، تحولت تلك الساحة إلى ميدان لقضايا الوطن كلها، وباتت مسرحاً لكل جماعة تريد التعبير السلمي عن همومها، أو ترغب في الحشد لقضاياها؛ كقضية القروض، أو البدون، وحتى بالنسبة للقضايا خارج الحدود؛ كالقضية الفلسطينية أو الحرب الإسرائيلية على لبنان، وغيرها من الملفات الإقليمية الأخرى.

وكان الملفت أن ما كان يُطرح في ساحة الإرادة بقي في إطاره الطبيعي المتعلق بحرية التعبير وتسجيل المواقف السياسية أو الإنسانية بما ينسجم مع القانون والدستور.

أنا على استعداد أن أقسم بأن التجمعات كلها التي نُظمت في تلك الساحة، شهدت وقوفاً سنياً وشيعياً بجوار بعضهم بعضا، وكلاهما مؤيد للقضية التي نُظم التجمع بسببها بغض النظر عن هوية المنظمين وانتماءاتهم لوجود خطوط التقاء بين أبناء المذهبين في القضايا كافة داخلياً وخارجياً التي احتضنتها ساحة الإرادة.

اليوم تكاد تكون الصورة مختلفة نوعاً ما، إثر محاولات بعضهم الاعتصام في تلك الساحة للمطالبة بمنع النائبين عدنان عبدالصمد وأحمد لاري من دخول المجلس، وهو التجمع الذي يشتم منه رائحة مذهبية «مقيتة» عززها أنباء عن تنظيم الفريق الآخر لاعتصام مضاد في المكان والزمان نفسيهما في حالة اصطفاف وتخندق خلف كل ما هو قبيح، وكأننا في بلد «المولاة» و«المعارضة» التي توشك أن تذهب ريح أهلها بسبب أجواء التشرذم التي يعيشونها... وهنا تجاوز للخطوط الحمراء كلها، بل استفزاز فاضح لنظام الحكم وتغليب لمصلحة الطائفة والفئة على مصلحة الوطن والضرب بها عرض الحائط.

وانعقاد مثل هذين التجمعين كان يمكن أن يحدث تبعات لم يكن ليتحملها وطننا المثخن بجراحٍ من فِعْل أبنائه، خصوصاً أن الأمر كان متعلقاً بقضية لا مزاح ولا مساومة حولها، فوجود «معتوه» أو «مأجور» بين المتجمهرين ربما كان سيتسبب في إشعال نار تحرقنا جميعاً.

هذه الأجواء المتوترة التي نعيشها الآن لم تكن وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات غياب دور السلطة منذ زمن عن القضايا المتعلقة بالمذاهب والحريات الدينية، فإعلان بعض السُنة عن قيامهم بمراقبة ما يطرح وما يثار في الحسينيات ليس سوى نموذج بسيط لغياب السلطة، التي متى غابت ملأ فراغها مَن يعتقدون أنهم أوصياء على الدولة وعلى الناس. في المقابل كان بعض علماء الشيعة يطلق العنان للسانه، الذي ابتلعه بعد مراسم التأبين انتظاراً للموقف الرسمي، ليصنف هذا بالإرهابي، وذاك بالوهابي، ويضغط ويساوم لتوزير أبناء طائفته في خلط عجيب بين المرجعية الدينية والأهداف السياسية، كل ذلك كان أمام أعين السلطة التي لم تتجرأ يوماً وتقول له «اصمت» فقد تجاوزت حدودك وتدخلت في ما لا يخصك.

على كل ستبقى ساحة الإرادة، ساحة لكل شيعي وسني وحضري وبدوي وبدون، شرط أن يعلو صوت الكويت على الهتافات كلها التي تتردد في جنباتها، وأن يرفرف شعار «الله... الوطن... الأمير» فوق كل راية أو لوحة ترفع فيها، فالقوى الوطنية والشبابية التي خلقت منها ساحة للدفاع عن الدستور والمكتسبات الشعبية لن تسمح لكم «بتدنيسها».

back to top