ميثاق عربي لحقوق الإنسان!
القول إن الميثاق العربي لحقوق الإنسان يشكل خطوة إيجابية عبر إقراره بالحقوق المنصوص عليها، غير ذي قيمة، فقد أقرت معظم تلك الدول الحقوق نفسها بتصديقها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. المهم، هو وضع هذه الحقوق موضع التنفيذ، وليس التغني بها.
احتفت الجامعة العربية ببدء سريان الميثاق العربي لحقوق الإنسان في الخامس عشر من مارس الجاري. والملفت في هذا الاحتفاء، اعتبارها في بيان صادر عن أمانتها العامة، أن ذلك «يعكس اهتمام الدول العربية المتزايد بحقوق الإنسان، ويفتح فصلا جديدا في تعامل الجامعة مع الموضوعات المتعلقة بحقوق الإنسان..». كما تم إنشاء لجنة عربية فرعية لحقوق الإنسان مهمتها تلقي تقارير عن أوضاع حقوق الإنسان في الدول العربية لعرضها على وزراء الخارجية، على أمل أن تتحول هذه اللجنة إلى المحكمة العربية لحقوق الإنسان في المستقبل. وقد يحتمل نص الميثاق بحد ذاته الكثير من الجدل والانتقادات، حيث يرى العديد من النشطاء الحقوقيين العرب، أنه تخلف في بعض ما نص عليه، عن المعايير الدولية لحقوق الإنسان، حتى أن بعض النشطاء في دول المغرب العربي، نادوا بعدم التصديق عليه لأنه تضمن حقوقا أقل من تلك التي تتضمنها قوانينهم الوطنية في بعض المجالات. لكن ما قبل نقاش نص الميثاق وما تضمنه من آليات شكاوى ورقابة، تفرض عدة أسئلة نفسها بإلحاح، من غير أن تجد إجابات شافية عليها.فالدول التي صادقت على الميثاق حتى الآن هي الأردن، البحرين، الجزائر، فلسطين، والإمارات العربية المتحدة، ليبيا وسورية. كيف يمكن تفسير مبادرة دول تعتبر أنظمتها من الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان كسورية وليبيا، لأن تكون من أولى الدول المصادقة على هذا الميثاق على ثغراته. فهل تكون تلك الأنظمة مطمئنة إلى أن الميثاق وما يتبعه من إجراءات عملية، هي مجرد أمور شكلية لا يؤمل منها أي تغيير أو تأثير يذكر؟ هل يمكن القول إن مسارعة هذه الدول للمصادقة على الميثاق، تفقده «هيبته» وتهدم ما يمكن أن يبنى من آمال عليه؟!من ناحية أخرى، يتساءل المرء عن مغزى إصدار مثل هذا الميثاق، في منطقة صادقت الكثير من دولها على مواثيق دولية مشابهة، من غير أن ينعكس ذلك إيجابا ولو بالحد الأدنى على أوضاع حقوق الإنسان فيها. وإذا كنا سنفترض طيب النيات الهادفة إلى تعزيز أوضاع حقوق الإنسان في المنطقة العربية، فما مغزى أن تكون الخطوة الأولى من نهاية الطريق؟ من البديهي أن تعزيز وحماية حقوق الإنسان، يفترضان بداية حماية دستورية لها، وهو ما نجده في العديد من الدساتير العربية، إنما في أحايين كثيرة، بشكل مقيد (بالقوانين المحال إليها التطبيق) أو موجه (بالإيديولوجيا أو العقيدة الدينية) ما يفرغ هذه الحماية الدستورية من معناها. ثم هناك الرقابة على دستورية القوانين التي قد تصدر مقيدة أو متعارضة مع الحقوق والحريات المنصوص عليها دستوريا، وهو أمر معطل أو شبه معطل في العديد من الدول العربية. وهي تفترض أيضا أن تكون السلطة التشريعية منتخبة بحرية ومعبرة فعلا عن إرادة الشعب، وتمحيص هذا الأمر في عدد غير قليل من دولنا لا يدعو إلى التفاؤل. هذا إذا لم نتحدث عن استقلال القضاء ونزاهته، الذي من المفترض أن ينصف أولئك المنتهكة حقوقهم المنصوص عليها في الدستور والقوانين الوطنية. وفوق هذا كله، تلزم سيادة ثقافة الحرية والحق في الوعي العام، التي من شأنها أن تشكل السد المنيع ضد الممارسات الاستبدادية والانتهاكات، وهذه بدورها نتيجة مسار طويل ومعقد من الجهد الفكري والثقافي والممارسات التربوية والسياسية على أرض الواقع، مسار نكاد لم نخط من طريقه إلا خطواته الأولى، إذا كنا قد خطونا بالفعل. ثم يأتي تشكيل النظام الإقليمي لحقوق الإنسان ليتوج ذلك المسار الطويل، ويعتبر بمنزلة الدرجة الأخيرة من الرقابة والمتابعة وتصحيح المسار. حيث ينظر هذا النظام بأجهزته الرقابية أو القضائية التي يشكلها، في القضايا الإشكالية التي تحتمل أكثر من اجتهاد وأكثر من رأي، بعد أن يكون القضاء الوطني المستقل والنزيه والكفء، قد قام بدوره كاملا. الطريق المعاكس غير ممكن. الدول التي تتذرع بسيادتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية بوجه أي انتقاد دولي لأوضاع حقوق الإنسان فيها، لا يتوقع أن تقدم تنازلات في مواجهة الانتقادات البينية، وإن كانت هذه الدول طالما ترد في وجه منتقديها الغربيين، «بتعييرهم» بمواقفهم من حقوق الإنسان في فلسطين والعراق، فهي تملك مبررات أقوى للرد فيما بينها، حيث تشترك جميعا في سجل حافل بالانتهاكات.والقول إن الميثاق يشكل خطوة إيجابية عبر إقراره بالحقوق المنصوص عليها، غير ذي قيمة، فقد أقرت معظم تلك الدول الحقوق نفسها بتصديقها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. المهم، هو وضع هذه الحقوق موضع التنفيذ، وليس التغني بها. ليس الأمر أنه يجب تمزيق الميثاق وإلغاء «فرحة» الجامعة العربية ببدء سريانه. وليس موقفا سلبيا من الخطوة من حيث المبدأ. هي فقط تساؤلات نابعة عن حيرة حقيقية. فهل يعكس الميثاق بالفعل اهتمام الدول العربية المتزايد بحقوق الإنسان؟ ولماذا لم يتبد هذا الانعكاس في أشكال أخرى منظورة وملموسة؟ تعكس تعليقات القراء العرب في المواقع الإلكترونية المختلفة على خبر بدء سريان الميثاق، كثيراً من التشاؤم. تكررت عبارة «حبر على ورق» في معظم التعليقات. متشائمون هؤلاء القراء، هداهم الله! * كاتبة سورية