لايزال الإسلاميون، وللأسف سيظلون إلى ما يشاء الله، غير مدركين لأهمية النقد الذاتي، ومدى مصداقية أن يتبادل أتباعهم النقد الرصين في المحافل والوسائل العامة، ولايزالون يتعاملون مع هذه الجزئية بالذات بقطعية شديدة لا تستوعب المفاصلة، فالجماعة الإسلامية، تجد نفسها في حرج واضطراب كبيرين، عندما تجد النقد موجهاً إليها من القريبين منها، ويكون الألم أكبر إن هو جاء من أحد كوادرها أو المحسوبين عليها،أثار مقال الزميل د. خالد القحص الذي جاء منذ أيام تحت عنوان (خاب حدسي في حدس) ضجة كبيرة، وأخذ مساحة كبيرة من النقاش والشد والجذب في منتديات ومدونات الإنترنت، وكذلك في المجالس والديوانيات الخاصة. ويرجع ذلك إلى أن د. القحص وهو المعروف بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، وبكونه من كوادر الحركة الدستورية الإسلامية «حدس»، قد وجه نقداً لاذعاً لموقف «حدس»، والإسلاميين عموماً من استجواب وزيرة التربية والتعليم الأخير.
وإضافة إلى الضجة العالية التي أثارها مقال د. خالد القحص على مستويات متعددة تبدأ بنقده للارتباك الواضح لمواقف الإسلاميين في البرلمان عموماً، ولا تنتهي بإقراره خطأ مواقف أغلبهم من استجواب وزيرة التربية، فإن د. القحص، بلا شك، قد تعرض إلى ضغط وانتقاد شديدين من جماعته ومن الإسلاميين عموماً بسبب إقدامه على توجيه مثل هذا النقد اللاذع علناً.
هذا الموقف الذي تعرض له الزميل، الذي أظنه فوجئ بضراوته، يكشف مدى حساسية الجماعات الإسلامية من مسألة توجيه النقد إليها من قبل كوادرها في المحافل العامة. بإمكان الجماعات الإسلامية أن تنبري وبكل سهولة للرد على، بل وتحطيم، من يوجهون الانتقاد إليها إن كانوا من الصف الآخر، وبإمكانها أن تتجاهلهم بكل سهولة عبر إثارة فكرة أن الآخرين يغارون من نجاحات الإسلاميين فيكتبون مثل هذه الانتقادات، لكنها، أي الجماعة الإسلامية، تجد نفسها في حرج واضطراب كبيرين، عندما تجد النقد موجهاً إليها من القريبين منها، ويكون الألم أكبر إن هو جاء من أحد كوادرها أو المحسوبين عليها، حينها تقع في حيرة ما بين الرد على ما كتب ليصبح (اللي ما يشتري يتفرج)، أو تجاهل الموضوع وكأنه لم يحصل وتحمل صداه الواسع وضجته الكبيرة، خصوصاً في أواسط قواعدها وأتباعها، الذين هم الأعلى في سلم الأهمية الاستراتيجية لهذه الجماعات.
لايزال الإسلاميون، وللأسف سيظلون إلى ما يشاء الله، غير مدركين لأهمية النقد الذاتي، ومدى مصداقية أن يتبادل أتباعهم النقد الرصين في المحافل والوسائل العامة، ولايزالون يتعاملون مع هذه الجزئية بالذات بقطعية شديدة لا تستوعب المفاصلة. ينظرون إليها بعدسات لا ترى إلا الأبيض أو الأسود، ولا مجال للتدرجات اللونية عندهم فيها. لا يوجد رمادي، فالرمادي لون نسبي، لون خدّاع غير واضح الاتجاه، يحتمل أن يكون أقرب إلى السواد ويحتمل أن يكون أقرب إلى البياض, وبما أن الأمر عندهم إما أبيض ناصع كالثلج، وإما أسود قاتم كالكحل، فالرمادي مرفوض والنقد مرفوض. وأنت، إما معنا أو ضدنا، وانتقادنا يجعلك ضدنا، وأعوذ بالله من الخروج عن الملة والارتماء في أحضان الزندقة!
كلي رجاء ألا يتأثر الزميل القحص بقوة الضربات التي جاءته من بعد مقاله المذكور كما تأثر كثير ممن ساروا في هذا الطريق قبله، وألا يتوقف عن إيمانه بأهمية النقد الذاتي، وأن يستمر في إعطاء الصعقات النقدية الصغيرة لجماعته وللإسلاميين بشكل عام، لأن هذا لمصلحتهم ومصلحة الناس لو كانوا يعلمون.