علينا أن نتقبل وجود الرأي الآخر، فطبيعة الأشياء التنوع والتعدد، فنحن لسنا نسخاً متطابقة من حيث نظرتنا الواقعية ورؤيتنا المنطقية وتعصبنا العاطفي، وليس من الضروري أبداً أن نقتنع بالرأي الآخر، لكن الضروري هنا هو أن نحترمه وألا نسفهه.لدينا مشكلة دائمة مستعصية في العالم العربي كأفراد وجماعات، لعلها أحد أسباب تخلفنا وتأخرنا عن بقية الشعوب والأمم، وهي أن كل واحد منا يظن أنه وحده على حق وأن الناس جميعاً على خطأ، وأنه لا حقيقة في هذه الدنيا إلا ما آمن به، وما اقتنع به، وما اعتقده، وأنه لا عقل بين عقول البشر جميعاً يوازي عقله، وأن على الآخرين أن يضربوا رؤوسهم في الحائط ويشربوا من البحر، لأنهم لا يرون ما يراه من حقائق ساطعة واضحة كالشمس، ويعجب كثيراً من عقولهم البالية وأفكارهم التعيسة، ويأسف على حالهم وما آلوا إليه من ترد فكري وعقائدي، ويعجب بنفسه أيما عجب، ويرى أنه الوحيد الذي يدرك الحقيقة، وأنه مالكها الأوحد!
والواقع ألا أحد منا مهما بلغ من العلم والفهم والدراية يمتلك الحقيقة المطلقة وحده، فكلنا نخطئ ونصيب، ونغير آراءنا وتوجهاتنا بين حين وآخر، وقد يكون ما نظنه اليوم صواباً خطأ غدا، وما نراه اليوم خطأ يتضح لنا صوابه في قادم الأيام، ولعل هذا هو السبب في أننا نرى كثيراً من الناس يتنقلون خلال سني عمرهم بين المذاهب الفكرية أو الفلسفية أو الدينية المختلفة كل يوم، فمَن هو مؤمن بالله أشد الإيمان اليوم، تراه قد تحول إلى ملحد لا يؤمن بوجود إله بين ليلة وضحاها، وآخر قد يفعل العكس تماماً، وقد شاهدنا كم من شيوعي تحول إلى ليبرالي، وكم من قومي أصبح إسلامياً، وكم من شيعي غدا سنياً، وسني أصبح شيعياً، ومسيحي تحول إلى مسلم، ومسلم إلى مسيحي. فالقناعات الفكرية ليست قوالب جامدة بالتأكيد، فهي تتغير بتغير الظروف والحوادث والمستجدات، ولو كانت صفتها الجمود لبقينا نعيش حتى اليوم كالإنسان القديم، بطريقة تفكيره ورؤيته للأمور، وبأساطيره وخرافاته أيضاً!
لذلك كله فإنه يتعين قبول الرأي الآخر مهما كانت درجة اختلافنا معه، حتى إن بدا لنا غير منطقي وغير واقعي بالمرة، علينا أن نتقبل وجوده، فطبيعة الأشياء التنوع والتعدد، فنحن لسنا نسخاً متطابقة من حيث نظرتنا الواقعية ورؤيتنا المنطقية وتعصبنا العاطفي، وليس من الضروري أبداً أن نقتنع بالرأي الآخر، لكن الضروري هنا هو أن نحترمه ولا نعتبره صادراً عن غبي أو أحمق أو كافر، لأننا جميعاً نرى الأمور من زوايا مختلفة، ولذلك قد أكون مخطئاً في رأي ما وتكون أنت المصيب فيه وربما حدث العكس، وقد نكون كلنا على صواب في نقاط معينة، ونكون كلنا على خطأ في نقاط أخرى!
علينا أن نتعلم من الأمم الأخرى التي سبقتنا في العلم والتقدم، الانفتاح على فكر الآخر وثقافته، وأن ندافع من أجل أن يقول الآخرون رأيهم، وبكل حرية ومن دون أي خوف أو تردد، حتى إن خالفوا رأينا في كل شيء، وحتى إن لم يعجبنا شيئاً مما قالوا، وأن نبتعد عن الانغلاق والتحجر والتعصب لرأي واحد مهما كان اقتناعنا به، ويقيننا من أنه الحقيقة التي لا يخالطها شكاً. وسواء كان هذا الرأي دينياً أم فكرياً أم سياسياً علينا ألا نحاول أن نفرضه على الآخرين ولو بالقوة، وكما قال من سبقنا، ممن اتسعت صدورهم لتقبل آراء الآخرين، «رأييّ خطأ يحتمل الصواب، ورأيك صواب يحتمل الخطأ»، ولنتذكر دائما أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وأن الحقيقة المطلقة ليست إلا وهماً كبيراً حين يكون النقاش حول مذهب من المذاهب الفكرية والسياسية، أو حول شخصية من الشخصيات التاريخية المثيرة للجدل سواء الماضية أو المعاصرة!
وليكن قولنا للآخر دائماً: «قد أختلف معك في الرأي، ولكنني على استعداد بأن أموت في سبيل أن تقول رأيّك».