Ad

الخوف هو العنصر السلبي الذي يشترك ويشارك فيه الجميع، بدءاً من حسن نصرالله وسمير جعجع وميشال سليمان وسعد الحريري ووليد جنبلاط وانتهاء بالطبقة الفقيرة، وهذا الخوف قد ساهم إلى الآن في وقف الاقتتال بين الفرقاء وربما قد يساهم في وضع المريض على طريق الشفاء.

في لبنان اليوم، الكل يخاف الكل، والجميع يصلي كي لا تقع الكارثة، رجال الدين والمجتمع والسياسة، على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، يرفعون الرأس نحو السماء طالبين العون من العلي القدير، حتى أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى قاد، خلال زيارته الأخيرة، صلاة جماعية. قال في أحد مؤتمراته الصحافية إنه زار البطريرك الماروني ومفتي الجمهورية ونائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى وشيخ عقل الدروز ودعاهم جميعاً إلى الاشتراك بالصلاة.

مشهد الصلاة الجماعية، إذا ما رسمناه في المخيلة، يشير إلى حالة «سيريالية» يعبّر في الواقع عن حالة شديدة من الخوف بكل ما فيها من معاني التوتر العالي. هذا النوع من الخوف والتوتر مردّه إلى اليأس، فعندما يقف الطب عاجزاً عن إنقاذ المريض فإنه عادة يقول: لقد فعلنا كل ما في استطاعتنا ولم يبق سوى الاستعانة بالسماء، وعندها ترتفع الدعوات إلى العلي القدير.

لكن هذا النوع من اليأس له بعض الحسنات التي يمكن أن تجترح المعجزة، وهذا الخوف قد ساهم إلى الآن في وقف الاقتتال بين الفرقاء وربما قد يساهم إلى وضع المريض على طريق الشفاء.

لندخل الآن في صلب حالة الخوف التي يمكن أن تتحول إلى الدواء الشافي: «حزب الله» وهو القوة الضاربة الأقوى مازال يقف بكل صواريخه وأسلحته ومقاتليه على الحدود مع إسرائيل، لأنه يخاف أن يسير خطوة إلى الداخل كي لا يخسر رصيده المعنوي الهائل الذي كسبه في الحرب مع إسرائيل في يوليو 2006. والسيد حسن نصرالله عبّر أكثر من مرة بشكل مباشر وغير مباشر عن هذا الخوف، ليس على ضياع رصيده الداخلي فحسب، بل على سمعته العربية والدولية أيضاً. وهو يدرك أنه لو فعل ذلك فكأنه يقدّم هدية مجانية لأعدائه الإسرائيليين والأميركيين، لذلك نراه يقف عند الحد القاطع بين صيانة الربح والتعرّض إلى الخسارة.

بدورها «القوات اللبنانية» تخاف المعركة لأسباب معظمها «لوجستي»، فهي لا تملك القدرة الميدانية على مواجهة الخصم في حرب شريرة، وترى في خوضها خسارة للبنية الهشّة التي أقامتها بعد خروج زعيمها سمير جعجع من السجن منذ سنتين تقريباً.

العماد ميشال سليمان، قائد الجيش خائف على انضباط وحدة جيشه لذلك تراه يردد ويكرر القول إن قيادته العسكرية ملتحمة مع بعضها مثل «الظفر على اللحم». والمغالاة في ترديد هذا القول ينبع من خوف وليس من اطمئنان، فالجيش له قدرة محدودة على ضبط الوضع الأمني في حال الانفلات، فهو إذا استطاع أن يسيطر على أمن بيروت، لن يتمكن من إن يفعل ذلك في بقية الأقضية نظراً لقلّة عدده وعدّته.

سعد الحريري يحسب ألف حساب مبعثه الخوف أيضاً، فهو لا يمثل الطائفة السنية بأكملها كما يدعي، بل يمثل مصالح البرجوازية اللبنانية الجديدة التي انبعثت من رماد الحرب الأهلية في 1975. وهذه الطبقة تخاف من أن تدمّر أي حرب جديدة، صغيرة كانت أم كبيرة استثمارات ملايينها بالإضافة إلى استثماراتها السياسية. والرأسمال بطبعه جبان، فهو لا ينمو ولا يتزايد إلا في ظل الهدوء والاستقرار. ولن يكون غريباً أن تمارس هذه الطبقة البرجوازية ضغطها على حليفتها الموالاة للوصول إلى تسوية مع المعارضة. أما الطبقة المتوسطة فهي في طريقها إلى الزوال، إذا لم تكن قد زالت فعلاً.

تبقى الطبقة الفقيرة التي تزداد فقراً ويأساً وجنوناً يوماً بعد يوم وليس عندها أي شيء تخسره سوى بؤسها. وهنا مكمن الخطر. والمعارضة تخاف أن تفقد السيطرة على هذه الطبقة التي تشكل سلاحاً شعبياً لها بالإضافة إلى الأسلحة القاتلة الأخرى.

والأجهزة الأمنية على تعدّدها لا تنسق مع بعضها، والخوف من أن تتشابك صلاحياتها وأوامر ومطامع قادتها بحيث تصبح جزءاً كبيراً من المعضلة، وليس وسيلة ناجحة للحل عن طريق المساهمة في ضبط الأمن، فهذه الأجهزة الأمنية تخاف من بعضها على مستقبل وجودها، وهي أشبه «بأوركسترا شرقية» لا ضابط لأنغامها ولا من يضبطون. والجيش الذي يفترض به أن يقوم بدور قائد هذه الأوركسترا الأمنية لا يثق بقادة قوى الأمن الداخلي، وهو يخاف من أن يؤدي الانفلات الأمني في الشارع إلى انفلات أمني داخل السرايات والثكنات التي تحمل السلاح المشروع، وبالرغم من أن قيادة الجيش وضعت خططاً لمعالجة مثل هذه الحالة، فإنها تخاف من عدم قدرتها على تطبيقها.

عودة سريعة إلى دور الجيش، فبالرغم من اطمئنانه الظاهري إلى تماسك وحدة ضباطه وجنوده، فإنه بالفعل يخاف من عودة جرثومة الطائفية إلى كيانه... تلك الجرثومة التي لم تنفع سنوات ما بعد الحرب الأهلية في القضاء عليها. فهو إذا استطاع –كما قلنا– أن يحصّن العاصمة وجزءاً من جبل لبنان فإنه عاجز عن القيام بتحصينات في منطقة الشمال التي تعتبرها قيادة اليرزة مركز وقوع الزلزال، أما منطقة الجنوب فالجيش مطمئن موضوعياً ولن تأخذ منه القدرة والجهد الكبيرين في تحصينها نظراً لوجود «حزب الله» مع القوات الدولية. والحزب –إلى حين كتابة هذه الأسطر– لا يرغب في تعكير صفو الأمن الهادئ هناك، وفي الوقت نفسه يخاف من أن يَدخل أو يُدَخل في الزواريب والأزقة الضيقة، لذلك نراه يمشي في حقل ألغام لا خريطة له أو كمن يمشي على بيض لا يريد أن يكسر واحدة منها، وهو بالتالي في وضع لا يحسد عليه، فهو يريد بالفعل تسوية على أساس أن «لا يموت الذئب ولا يُفنى الغنم». وهو يدرك أكثر من غيره صعوبة تحقيق هذا النوع من التسويات، لذلك نراه يشارك في الدعاء والصلاة صبحاً وظهراً ومساءً طالباً مساعدة السماء.

الميليشيا الجنبلاطية تخاف بدورها من تنامي القدرة القتالية لخصميه الدرزيين طلال أرسلان ووئام وهاب، وتخاف أكثر من المواجهة بالسلاح لأنها تحوّل مناطقها إلى بحيرة من دماء الدروز غير مسبوقة في التاريخ الدرزي اللبناني. أما في الساحل الشمالي، وبصورة خاصة في طرابلس وعكار وتوابعهما، فإن عمر كرامي يخاف من وقوع مواجهة عسكرية مع خصومه السنّة الذين يتزعمهم سعد الحريري، وأكثر ما يخافه كرامي وغيره هو التدخل السوري العسكري المباشر، لأن منطقة الصراع الشمالية مجاورة للحدود السورية، ولأن دمشق أبلغت من يعنيهم الأمر أكثر من مرة أن هذه الحدود عنصر أساسي في الحفاظ على أمنها القومي، وسورية «مختفية» بلباس مدني في مناطق خارج الحدود يصل مداها إلى العاصمة طرابلس، لممارسة اليقظة والاستعداد عند وقوع «الشر المستطير».

إذن، الخوف هو العنصر السلبي الذي يشترك ويشارك به الجميع، لذلك قد يتحول إلى عنصر إيجابي يمنع وقوع الكارثة، يبقى على السماء، التي يتوجه إليها الجميع هذه الأيام بالدعاء، أن تستجيب باجتراح المعجزة المطلوبة.

* كاتب لبناني