مع التقدير الكامل لشاعرية شاوول، فإن هجومه على «الجنرال» بألفاظ مثل «ميشال عو... وأخوت الرابية» وسواها من التحقيري من الكلام جعل نصه موضوع الادعاء لا يتجاوز في قيمته الثقافية قيمة أغنية «بوس الواوا» لهيفاء وهبي في الغناء. فصاحب «بوصلة الدم» و«قصيدة البياض» سقط في فخ المقال النثري التقريري المباشر، ووضع نفسه في قاع مستوى لغوي غير جدير بالشاعر والمثقف.ينبغي توجيه الشكر إلى الكاتبة دلال البزري التي فكت عقدة ألسنة المثقفين والصحافيين اللبنانيين حين صوَّبت في «الحياة» النقاش في ما سمي زوراً وبهتاناً «معركة الشاعر ضدالجنرال». فمنذ شهر تقريباً تدور رحى معركة دونكيشوتية في بيروت بين الشاعر بول شاوول مسؤول القسم الثقافي في جريدة «المستقبل» والجنرال ميشال عون أسالت حبرا كثيرا وتضامنا ساحقا مع الشاعر المدعى عليه أمام القضاء رغم ان موضوع المعركة لا يستند إلى أساس يجعل منه قضية مثقفين، ولا علاقة له بالحريات.
ومع أن الموقف السياسي للشاعر شاوول يتجاوز في صوابه وعقلانيته ووطنيته أضعاف أضعاف موقف الجنرال المرتمي في أحضان حلفاء دمشق وطهران، والذي يعتقد نفسه «خميني» لبنان، فإنه لا أحد يحكم على الأمور بموضوعية إلا ورأى في سلوك «الجنرال» الذي ادّعى على شاوول في القضاء، سلوكاً مثقفاً وحضارياً، وإلا رأى في نص شاوول نصاً عسكرياً لا يرقى إلى رتبة «عريف» في أي اتحاد كتاب من اتحادات العالم العربي الجوفاء.
ومع التقدير الكامل لشاعرية شاوول، فإن هجومه على «الجنرال» بألفاظ مثل «ميشال عو... وأخوت الرابية» وسواها من التحقيري من الكلام جعل نصه موضوع الادعاء لا يتجاوز في قيمته الثقافية قيمة أغنية «بوس الواوا» لهيفاء وهبي في الغناء. فصاحب «بوصلة الدم» و«قصيدة البياض» سقط في فخ المقال النثري التقريري المباشر، ووضع نفسه في قاع مستوى لغوي غير جدير بالشاعر والمثقف، بل جدير بمستوى وجهاء «العونيين» اللفظيين، جماعة الزجل والشعارات، وأصحاب الثقافة الضحلة والشفاهة التي تسبق الكتابة ولا «يحوشها» مقياس.
وإن كان بول شاوول أخطأ في الكتابة وأدخل نفسه تحت طائلة «القدح والذم» فإنه ارتكب في ذلك محرّمين ثقافيين، أولهما تخليه عن شاعريته وحساسيته وقدرته الأسلوبية ليتحول إلى شتّام، وثانيهما انتقائيته واستغلاله للجانب ربما الوحيد المضيء لدى «الجنرال»، وهو عدم قدرته على ترهيب خصومه. فهل كان شاوول يجرؤ على مخاطبة نبيه بري بهذا النوع من الكلام؟ بل هل يجرؤ حتى على أن يسحب أسلوبه على سليمان فرنجية أو وئام وهاب؟
من المفارقات أن «الجنرال» المعروف بكرهه للرأي الآخر وتقديسه عبادة الذات، والذي لا يدل سجله على احترام الحريات، هذا الجنرال كان صاحب حق في الادعـاء، في حـين أن الذين سارعوا إلى توقيع عرائض التضامن وسنّوا أقلامهم للدفاع عن شاوول، كانوا على شطط أخلاقي وثقافي فظيع. فالنص المعني كناية عن بيان يمكن أن يصدره أحد «قبضايات» الأحياء، ولا علاقة له بالنص الثقافي من قريب ولا من بعيد، أما الموقعون من مثقفين وأشباه مثقفين وانتهازيين فإما أن الحمية أخذتهم إلى التضامن القبلي على قاعدة «وما أنا إلا من غزية...» أو أن نقص المعرفة صور لهم معركة حقيقية تحتاج إلى أصوات، أو أن التفاهة جعلتهم يستعرضون أسماءهم إلى جانب المحترم من الأسماء. وعلى أي حال فإن سلوكهم معبّر عن ديماغوجية ثقافية تحول القضايا الخاضعة للنقد الى مسلمات ومقدسات وإرهاب، وهو ضد الثقافة والنقد والفكر الحر والابداع.
أفضل ما يمكن لبول شاوول فعله هو ان يعترف بخطئه ويسحب النص، بل يتنكر له، فلا النص يعبر عنه، ولا هو يشبه النص. أما الجنرال فلْيربح هذه القضية ليعوض بعضاً من خسائر مزمنة ومتتالية يصورها انتصاراتٍ بغض النظر عمّا إذا كان يشبه ذاك النوع المسف من الكلام.