برافو... سعد الفرج!
كان حري بتلفزيون الكويت أن يتبنى رائعة سعد الفرج «رحلة شقا» ليس باعتبارها قضية كويتية بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والأمنية والإنسانية فحسب، بل من زاوية الاعتراف بحقيقة هذه المشكلة وتفاصيلها اليومية من أجل خلق حالة من التفاعل على مستوى الرأي العام.
وسط التزاحم الكثيف للمسلسلات الرمضانية التي تعج بها الفضائيات العربية خلال الشهر الفضيل، والتي أصبحت في أغلبها مملة ومقرفة لا تكاد تخرج عن الأسطوانات المشروخة على مدى عشر سنوات من قصص الميوعة و«الجنوس» والمخدرات و«الهواش» على الورث، يتعملق الفنان الكبير في مسلسل «رحلة شقا» ليجسد ليس فقط قصة مكونة من مجموعة أحداث، وإنما واقعاً مهماً ومخزناً ومعقداً وبأسلوب يلامس الحس العام يعبر عن حجم المعاناة لشريحة عريضة مضطهدة ومغلوب على أمرها وهي شريحة البدون. وكان حري بتلفزيون الكويت أن يتبنى مثل هذه الرائعة الفنية ليس باعتبارها قضية كويتية بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والأمنية والإنسانية فحسب، بل من زاوية الاعتراف بحقيقة هذه المشكلة وتفاصيلها اليومية من أجل خلق حالة من التفاعل على مستوى الرأي العام، وحتى يكون المواطن الكويتي على دراية بأن الاقتراحات والتوصيات التي قدمت ولا تزال من قبل أعضاء مجلس الأمة والناشطين في مجال حقوق الإنسان على مدى عقدين من الزمن تهدف بصدق إلى معالجة هذا الملف وفك طلاسمه ورموزه، والأهم من ذلك فهم وإحساس المعاناة اليومية للآلاف من الأسر بأطفالها وشبابها ونسائها وشيوخها.فهنالك عشرات الآلاف من نماذج رحلات الشقاء الممتدة على مدى نصف قرن قضاها أمثال «أبو عبدالله» بين ألم المعاناة وجراح الإهمال وصفحات التناسي والتعنت الحكومي صبراً بانتظار الفرج، وهنالك المئات من حالات التناقض التي تعيشها عوائل بعضها كويتية وبعضها الآخر من البدون مع الفارق الكبير في نمط المعيشة والتعامل مع مجريات القدر. وهناك المئات ممن قضوا وتفانوا من أجل خدمة هذا البلد، أخذتهم الحكومة لحماً طرياً مفعماً بالحيوية والنشاط ورمتهم عظاماً واهنة ضعيفة دونما أية حقوق مدنية وإنسانية، وكم من طفل اليوم يصارع آلام المرض دونما علاج أو دواء، وكم من شاب يحمل مؤهله الدراسي، وهو يستجدي الوظيفة براتب زهيد قد يوازي رواتب العمالة الهامشية المستوردة، وكم من فتاة مفعمة بالشرف والعفة يطوفها قطار الزواج وتكوين أسرة صالحة تمارس فيها فطرة الأمومة بسبب عدم تحرير عقد الزواج، وكم من أيتام وأرامل للشهداء والأسرى والمفقودين لم تجف دموعهم وقد ردت الحكومة إحسان دماء آبائهم بطردهم من منازلهم الشعبية المتواضعة.إن أولى خطوات الحل العملي لمشكلة البدون تكمن في إيصال حجم وحقيقة هذه المعاناة لأطياف المجتمع الكويتي كافة، ليدركوا كيف ذابت هذه الشريحة في الوعاء الكويتي. ولكن تسعى مجموعة صغيرة متعالية ومغرورة بعرقلة أية جهود لحلحلة هذا الملف والتصدي لها بجرأة وشجاعة. ويجب أن يكون في طليعة هذه الحلول إعادة البسمة والأمن لقلوب عشرات الآلاف من أطفال البدون وذويهم من خلال معاملتهم وفق أبسط قواعد حقوق الإنسان ومعايير الحضارة البشرية والمسؤولية الشرعية وقيم ديننا الإسلامي، وخصوصاً ونحن نعيش عبق شهر الرحمة والمغفرة وذلك بإقرار الحقوق المدنية والإنسانية لهم من دون مَن أو أذى.فتحية شكر إلى الفنان القدير سعد الفرج على هذا الاختيار الموفق، وتحية مضاعفة على أدائه الرائع في تجسيد معاناة البدون بإتقان وتتويجه بعصارة خبرته الفنية الطويلة، وكل التوفيق لفريق «رحلة شقا» وفي مقدمتهم المؤلف ضيف الله زيد وإلى تلفزيون أبو ظبي على عرض هذا العمل الفني الجميل.