من فوق صخرة الرَّوْشة!!

نشر في 24-01-2008
آخر تحديث 24-01-2008 | 00:00
 صالح القلاب

لاحل للأزمة اللبنانية المتفاقمة ما لم يُطْوَ ملف المحكمة الدولية التي جرى تشكيلها لمحاكمة المتورطين في اغتيال رفيق الحريري، وما لم يُأتَ برئيس جمهورية جديد بمواصفات إميل لحود، وما لم يُعد النظر في التركيبة الطائفية السابقة، بحيث تصبح سنّة وشيعة ومسيحيين بدل سنّة وموارنة، وكل الخوف أن تكون نتيجة وساطة عمرو موسى انتحاراً سياسياً من فوق صخرة الروشة!

ذهب الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى بيروت في المرة الأولى وهو يكاد يطير فرحاً فالحل السحري في جيبه وقد تم الاتفاق على إنهاء الأزمة اللبنانية، التي هي أزمة منطقة الشرق الأوسط بأسرها وأزمة الإقليم كله، خلال ست دقائق كما قال وزير خارجية عربي لم يحضر اجتماع «سقيفة» عمرو موسى، فالنجاح محقق والمأزق غدا بمنزلة غمامة صيف غدت بحكم «المنقشعة» وتفاءلوا بالخير تجدوه و«ليخسأ» المتشائمون الذين قالوا «لا تفرح بالنـزلة كثير رايح تتعب بالطلعة»!

لقد كانت حال «الأمين العام» وهو ذاهب إلى بيروت ليملأها حُبَّاً وفرحاً بعد أن امتلأت بالتباغض والكراهية والمقت والإحباط كحال ذلك الرجل الذي سألته زوجته إلى أين هو ذاهب؟ وعندما قالت له: قُلْ إن شاء الله، بعد أن قال إنه ذاهب إلى سوق الدواب ليشتري حماراً، ردَّ بصلفٍ وعنجهية: إن نقودي في جيبي وإن الحمار في السوق... وإنني سأشتريه ولا دخل لله (والعياذ بالله وأستغفر الله) بهذا الموضوع.

ذهب الرجل إلى السوق واشترى حماراً قبرصياً لا أحلى ولا أجمل ولشدة إعجابه بنفسه وبحماره بادر إلى امتطاء صهوته وعاد مسرعاً إلى منزله... لكن ما إن غادر سوق الدواب حتى وقع في كمين شرطة، فالحمار مسروق ولابد من تحقيقات مطولة، وهكذا وبعد أن قضى أسبوعاً بائساً في السجن عاد ليلاً إلى زوجته وقـرع باب المنزل بحنان ولطفٍ، وعندما سألت زوجته عمن يكون الطارق؟ ردَّ بخشوعٍ: تقيٌّ أمضى عمره متعبداً في زاوية أحد المساجد: «زوجك إذا أراد الله»!

في المرة الثانية ارتطم رأس الأمين العام بـ«صخرة الروشة» البيروتية التي تغنت بها صباح عندما كانت لاتزال في عز شبابها، والتي انتحر من فوقها عاشقون كثر ومفلسون تجارياً واقتصادياً كثر، فأدرك أنه كان عليه أن يكون أكثر تواضعاً عندما خرج من منزله الذي شهد اجتماع الخمسة الأبرار ليذهب إلى الجامعة العربية، بسرعة تلميذ نجيب عاد من المدرسة إلى أمه بكشف علاماته المرتفعة، ويعلن وهو يقف أمام عشرات الصحافيين و«الصحافيات» على أطراف أصابع رجليه: «وداعاً للأزمة اللبنانية... وأبشر يا شعب لبنان وإلى الجحيم أيتها المؤامرة الخسيسة».

في المرة الثانية ذهب الأمين العام إلى بيروت فوجد أمامه تفسيراً لـ«المبادرة» العربية، التي يصر الأشقاء السوريون على أنها «بيانٌ» وليست خطة ولا مبادرة ولا قراراً، غير تفسيره وغير تفسير وزراء الخارجية العرب ووجد شاباً معتمراً بعمامة سوداء هو حسن نصرالله لايزال على مواقفه وعند شروطه السابقة، ولم يخجل من أن يقول له: عليك قبل أن تأتي إلينا بهذه الوثيقة التي جئت بها أن تتعلم اللغة العربية، ووجد أيضاً دبلوماسياً صُمَيْدعياً له ملمس حية وأنياب ثعبان هو نبيه بري، الذي قال من اللحظة الأولى إن تفسير عمرو موسى لما جاء به باسم العرب يختلف عن تفسيره، وإنه لابد من عقد اجتماع جديد للذين أعدوا هذه المبادرة ليراجعوا مبادرتهم.

لم يستسلم الأمين العام، رغم أن حماسه السابق قد فتر، فقد ذهب إلى دمشق على أمل أن يعود إلى بيروت بكلمة السر التي ستفتح كهف علي بابا والأربعين حرامياً، ولكنه بعد أن سمع ما سمعه عاد إلى العاصمة اللبنانية وهو مثقل بالأحزان، وليعلن أن الأبواب موصدة وليقول من قبيل المكابرة: «ولكنني لم أفقد الأمل»... والحقيقة أنه فقد الأمل بعد أن عاد إلى القاهرة وحاله كحال ذلك الذي ذهب إلى سوق «الدواب» ليشتري حماراً بنقوده التي في جيبه، وكانت النتيجة أنه أمضى في السجن سبعة أيام عاد بعدها إلى زوجته وهو أكثر تواضعاً وأكثر يقيناً بقدرة الله جلَّ شأنه.

لا حل لهذه الأزمة اللبنانية المتفاقمة ما لم يُطْوَ ملف المحكمة الدولية التي جرى تشكيلها لمحاكمة المتورطين في اغتيال رفيق الحريري، وما لم يُأتَ برئيس جمهورية جديد بمواصفات إميل لحود، وما لم يُعد النظر في التركيبة الطائفية السابقة، بحيث تصبح سنّة وشيعة ومسيحيين بدل سنّة وموارنة، وأيضاً ما لم يتوقف الحديث نهائياً عن سلاح «حزب الله» وعن ترسيم الحدود مع سورية، وتبادل السفراء معها، وما لم تسقط حكومة فؤاد السنيورة التي وصفها الرئيس بشار الأسد في خطاب الانتصار الذي حققه حسن نصرالله في حرب يوليو عام 2006 بأنها «منتج إسرائيلي»! ومسكين عمرو موسى فهو غاص كما غاص كثيرون قبله في رمال لبنان المتحركة والخوف كل الخوف أن تكون نتيجة هذه الوساطة انتحاراً سياسياً من فوق صخرة الروشة!

* كاتب وسياسي أردني

back to top