حديقة الإنسان: مرشح رئاسي

نشر في 01-02-2008
آخر تحديث 01-02-2008 | 00:00
 أحمد مطر

لو أن «مارك توين» عاش حتى يومنا هذا، ورأى رؤساء من نوعية كلينتون وبوش الابن، فأي شيطان كان سينجد خياله في السخرية؟! وماذا سيكون إقلاق راحة جده المريض... أمام إقلاق راحة الكرة الأرضية كلها؟ وماذا سيكون دفن عمته الميتة... أمام دفن شعوب كاملة وهي على قيد الحياة؟

في عام 1879 ارتأى الكاتب الأميركي الساخر «مارك توين» أن يرشح نفسه لمنصب الرئاسة في بلاده، ولم يكن، بالطبع، جاداً في هذا الأمر، لكنّه أراد الإشارة إلى أنّ الفساد هو جوهر جميع المرشحين لهذا المنصب، وأن سر التفاوت بينهم يكمن في كون بعضهم يستخدم مساحيق التجميل بمهارة كافية لطمس ماضيه الأسود.

وعليه فإن النقطة الأساسية التي ارتكز عليها «توين» في خطاب ترشيحه، هي أنه أكثر المرشحين جدارة بالثقة، لأنه أول وآخر مرشح يعلن عن مفاسده منذ البداية!

وفي ما يلي خطاب الترشيح المنشور في كتاب قصصه ومقالاته ضمن سلسلة الكلاسيكيات التي تصدرها دار «بنغوين»:

«لقد عقدت النية تماماً على أن أخوض انتخابات الرئاسة. إن ما تحتاجه البلاد هو مرشح لا يمكن أن تلحق بسمعته لطخة إذا تم استقصاء تاريخه الماضي، وذلك لكي لا يتاح لأعداء حزبه أن يستخدموا ضده أي واقعة لم يكن أحد قد سمع بها من قبل.

إذا كنت تعرف منذ البداية أسوأ الأشياء عن المرشّح، فإن أية محاولة لتشويه سمعته سوف تكون فاشلة. إنني، الآن، أدخل الساحة بملف مفتوح. سأعترف مقدماً بكل الأشياء الشريرة التي اقترفتها. وعليه فإذا فكرت أية لجنة في الكونغرس لها موقف عدائي مني، أن تنقّب في مسيرتي بأمل العثور على صنيع أسود ومميت أخفيته، فلتفعل.

في المقام الأول أعترف بأنني، في شتاء عام 1850 ألجأت جدي المصاب بالروماتيزم إلى تسلق شجرة. لقد كان عجوزاً وغير حاذق في صعود الأشجار، لكنني بشخصيتي الوحشية المميزة جعلته يعدو مسرعاً بثياب النوم، خارج الباب الأمامي، متحامياً من الخردق الذي كنت أطلقه عليه من بندقيتي، مما ساعده على أن ينطلق بخفّة ورشاقة إلى قمّة شجرة القيْقب، حيث أمضي الليلة كلّها هناك، فيما كنت أسدّد الطلقات نحو ساقيه.

لقد فعلت ذلك لأنه يشخر، وسأعيد الكرّة لو كان لي جدّ آخر، فأنا لاأزال أتّصف بالوحشية نفسها التي كانت لي في عام 1850.

أعترف صراحة بأنني هربت من معركة غيتيسبرغ، لقد حاول أصدقائي أن يلطّفوا هذه الحقيقة بتأكيدهم على أنني فعلت ذلك بهدف محاكاة «واشنطن» الذي توغّل في الغابة خلال معركة فالي فورغ، من أجل تأدية صلواته. لكنّ هذه كانت حيلة بائسة منهم، لأن السبب في انطلاقي خارج مدار السرطان هو أنني كنت خائفاً، إنني أحب إنقاذ بلادي، لكني أفضّل أن يتم إنقاذها على يد شخص آخر. ولاأزال أفضّل هذا الخيار حتى الآن.

وإذا كان إحراز المرء لفقاعة السمعة الطيبة لا يتم إلا بمواجهة فوهة المدفع، فأنا مستعد للذهاب إلى هناك، على شرط أن تكون فوهة المدفع فارغة، أمّا إذا كانت محشوة بالذخيرة فإن هدفي الخالد الذي لا يمكن تغييره هو أن أقفز فوق السياج وأمضي إلى البيت.

أفكاري المالية واضحة الملامح إلى أبعد حدّ، لكنها ليست واعدة، ربما، بزيادة شعبيتي بين المدافعين عن التضخم.

أنا لا أصرّ على التميز الخاص للنقود الورقية أو النقود المعدنية، فالمبدأ الأساسي العظيم في حياتي هو أن أستولي على أيّ نوع أستطيع أن أصل إليه.

الإشاعة التي تقول إنني دفنت عمتي الميتة تحت عريشة العنب... صحيحة.

العريشة كانت تحتاج إلى سماد، وعمّتي كان لابدّ لها أن تُدفن، وعلى هذا فقد كرّستها لذلك الهدف السّامي، هل في هذا ما يجعلني غير لائق للرئاسة؟ إن دستور بلادنا لا يقول ذلك، وليس هناك مواطن، على الإطلاق، قد اعتُبر غير مستحق لهذا المنصب. بسبب كونه غذّى عريشة عنبه بجثث أقربائه الميّتين. فلماذا ينبغي انتقائي كأول ضحية لهذا الحكم المجحف والسخيف؟!

أعترف أيضاً بأنني لست صديقاً للفقير. فأنا أنظر إلى الفقير، في حالته الراهنة، باعتباره كمية كبيرة من المادة الخام المُضيّعة، وبتقطيعه وتعليبه كما ينبغي قد تكون له فائدة في تسمين سكّان جزر الكانابال، وكذلك في تطوير سوق صادراتنا مع تلك المنطقة.

إنني سوف أتقدم بمشروع قانون حول هذا الموضوع في أول رسالة لي. شعار حملتي سيكون: «احفظوا العامل الفقير. جفّفوه وحوّلوه إلى سجق».

هذه تقريباً هي أسوأ الأشياء في ملفي، وبها أتقدم لمواجهة بلادي. وإذا كانت بلادي لا تريدني، فإنني سأرجع على أعقابي. لكنني أعتبر نفسي الرجل الجدير بالثقة... الرجل الذي يبدأ من الأساس الشامل للفساد، ويعتزم أن يبقى شريراً حتى النهاية»!

وهكذا.. يمكننا أن نرى أن «توين» برغم مبالغته في السخرية، قد عرض لنا صورة فاضلة عن زمانه. إذ لو أنه عاش حتى يومنا هذا، ورأى رؤساء من نوعية كلينتون وبوش الابن، فأي شيطان كان سينجد خياله في السخرية؟!

ماذا سيكون إقلاق راحة الجد المريض... أمام إقلاق راحة الكرة الأرضية كلها؟

وماذا سيكون دفن العمة الميتة... أمام دفن شعوب كاملة وهي على قيد الحياة؟

وهل كان سيتحدث عن فساده الشخصي لو سمع قصة مونيكا والرئيس الذي يفعل ما يفعل فقط لأنه يستطيع أن يفعل؟!

وهل كان سيذكر شيئاً عن فساده المالي، حين يرى عصابة تخطف الولايات المتحدة وتستخدم جيشها لتدمير كل مكان، فقط لكي تملأ أرصدتها؟!

* شاعر عراقي

back to top