خرافة البحث العلمي في الكويت! نصيبه من الناتج المحلي 0.2% وللأسلحة 9%
تداول هذه الأرقام شيء مخيف، لكنه يعطي صورة واضحة عن مدى التخلف الذي تعيشه الدول العربية في هذا المجال، مما يعني أن الحديث عن بيئة البحث العلمي والتطوير يعد شيئاً من الخيال أو لنقل إنه اجترار لمأساة العلم والتعليم في 22 قطرا.
الحديث عن البحث العلمي في الوطن العربي عامة والكويت إحدى حالاته، يعبر عن كارثة حقيقية تعكسها أوضاع اقتصادية وسياسية واجتماعية هيكلية. وقد لا نكون متشائمين إذا ما قلنا ان مناقشة ملف البحث العلمي على مستوى قطري - (الكويت نموذجا) - يعتبر نوعا من الترف الفكري على اعتبار أن بيئة البحث العلمي أصبحت في عالم اليوم إقليمية، أو منوطة بتجمعات ضخمة تضم قطاعات الصناعة ومراكز البحوث معا، كما هي الحال في الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي ونوعاً ما في دول النمور الآسيوية.
ولا نستثني هنا الجهد الذي تشرف عليه الجهات الرسمية في الكويت حالياً، والذي أسفر عن تشكيل لجنة لتقييم البحث العلمي للنظر في إمكانات تطوير صلاحيات معهد الأبحاث العلمية وإضفاء المزيد من الاستقلالية لعمله بعد أن أصبح مكاناً للتوظيف كحال أي دائرة حكومية أخرى! «بيئة البحث العلمي» هذا المصطلح يحمل في طياته شروطا ومتطلبات يجب إحصاؤها وبيانها بشكل واضح حتى يكون الحديث عن (البحث العلمي) أقرب إلى الواقع منه إلى الخيال. والحديث عن بيئة البحوث هذه تتطلب بيان السياسة العامة لإدارة البحث العلمي ومدى وضوحها، ومعدلات الإنفاق من القطاعين الخاص والحكومي، وعلاقة مراكز البحث بقضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال تسخير العلوم والثقافة العلمية، ومدى وجود شبكات للمعلومات، والتنسيق بين أجهزة البحث، والصناديق التمويلية... هذا بالنسبة للسياسة العامة لبيئة البحث العلمي، أما شروط نجاح المراكز العلمية فهي متعددة أيضاً، ويلخص الأمين العام لمجلس البحوث العلمية الوطني في لبنان د.معين حمزة في ورقة علمية حول التمويل العربي للبحث العلمي والتجربة الأوروبية هذه الشروط بوجود موارد مالية مستقرة تزداد بشكل دوري، على أن يكون نصفها مكرسا للمشاريع التعاقدية، وأن تجدد المراكز العلمية بنيتها التحتية مرة كل 7 سنوات على الأقل، وأن يتوافر جهاز علمي متكامل ومتوازن بين أعداد الباحثين والفنيين والإداريين، وأن تحدد خطط العمل البرامجية للبحوث لأمد لايقل عن 3 إلى 5 سنوات وضمن شروط رقابة علمية صارمة. ويضيف إلى ذلك بالطبع إدارة مستقلة يمثلها مجلس أمناء، وأن يعمل المركز العلمي في مشاريع البحث والتطوير التقني وليس في الخدمات العلمية، وأخيرا وليس آخرا تجديد الموارد البشرية بنسبة الثلث كل 5 سنوات. وإذا حاولنا تطبيق معايير بيئة البحث العلمي، وشروط إقامة المراكز العلمية على الحالة الكويتية سنجد أن المطلوب يفوق بكثير ما هو محقق على الأرض، وقد لا يكون من الإجحاف في شيء إن قلنا إنه لا توجد بيئة للبحث العلمي في الكويت، وليس بحثا علميا، فالأخير موجود حتى في أكثر الدول تخلفاً في العالم. فمعظم الدول يقوم ببحوث علمية لكن ليس بالضرورة أن تكون لكل دولة بيئة للبحث العلمي. منظمة الأمم المتحدة تضع شرطاً رقمياً لما يجب أن يكون عليه الحد الأدنى من الصرف على البحث العلمي وهو 1٪ من إجمالي الناتج القومي للدولة، والحقيقة أن أي دولة عربية لم تصل اليوم إلى هذه النسبة فهي تتراوح بين 0.02٪ إلى 0.08٪ في أحسن الأحوال، أي أقل من النسبة المقررة دولياً، وهذا أول إخفاقات بيئة البحث العلمي إذا أردنا اسقاط هذا الشرط على دولة مثل الكويت. أما معيار ايجاد الموارد المالية المستقرة والمتزايدة بشكل دوري، فيجب أن يخضع لشروط، ومنها كثافة التمويل من قبل القطاع الخاص، وقلته من قبل الحكومة، وهو مبدأ يكفل استقلالية مركز البحث العلمي، ففي اليابان تصل نسبة التمويل الخاص للبحث والتطوير الى 67٪ في حين تقوم الحكومة بدفع ما نسبته 22٪ ، بينما في مصر تنعكس الصورة ليصل التمويل الحكومي الى 86٪ والخاص الى 4٪. وبشكل عام فإن مصادر تمويل برامج البحث في الدول العربية الحكومية تصل إلى 61٪ يضاف إليها ميزانيات الجامعة، وهي حكومية أساساً وتشكل نسبة 27٪ فيما يصل التمويل الخاص إلى 9٪ والتمويل الخارجي إلى 7.8٪ وذلك بحسب احصاءات عام 1999، وإذا أخذنا مثلا معهد الأبحاث العلمية في الكويت فإن تمويله يأتي بشكل أساسي من الحكومة، حيث بلغت ميزانيته للسنة المالية 2005/2006، 19مليون دينار، و5 ملايين أخرى كإيرادات ذاتية من نشاطه البحثي مع الشركة الكويتية لنفط الخليج، وإيرادات الأنشطة التدريبية والتقنية، فيما توقف الالتزام المالي لشركة الزيت العربية التي أنشأت لبنة المعهد أساسا في عام 1967، وكان آخر التزام مالي من الشركة للمعهد فى ميزانية السنة المالية 2003/2004 وبمبلغ 177.000 دينار! في مقابل ذلك، فإن أرقام تقرير التنمية الإنسانية العربية الصادر عام 2005 تؤكد صرف الكويت 9٪ من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي على شراء الأسلحة وتجهيز الجيش. ويعكس ضعف تمويل القطاع الخاص أو ربما انعدامه في الحالة الكويتية إلى عدم الإيمان بالبحث العلمي، وفي مراكز أبحاث عربية يضاف سبب آخر وهو الفساد المالي والإداري فيها، واطمئنان الدولة والقطاع الخاص إلى مبدأ شراء التكنولوجيا وهي سياسة لا تؤدي إلى أي تطوير علمي حقيقي في المجتمع. هجرة الأدمغة، تعتبر مشكلة مضافة إلى موضوع البحث العلمي، وإن كانت أعدادها قليلة في الكويت، وذلك لاسباب معروفة، منها غنى الدولة الذي ينعكس ايجاباً على مستوى الرواتب والمزايا التي في الأغلب لاتكون مفصلة على إنتاجية الموظف، إلا أن موضوع الهجرة هذا يتسبب فى كارثة حقيقة للبحث والتطوير في الأقطار العربية، ففي الحالة المصرية يكفي التذكير بأن أكثر من 350 باحثاً يعملون في الوكالة الاميركية للفضاء (ناسا)، ومعروف أيضاً أن الهجرة إلى الدول المتقدمة توفر على الاخيرة كلفة الاعداد الاولية للعلماء وهم في مراحل الدراسة الأولى، وقد بلغت خسائر الهجرة في الأعوام من 1975 إلى 1980، 25 مليار دولار!!. وفي حساب عدد الباحثين لكل مليون من السكان، فإن العدد في الكويت يصل إلى 73 باحثا علميا، فيما يصل العدد في بلد كاليمن الى 22 باحثاً علمياً، أما في الدول المتقدمة فيصل العدد إلى 3600 باحث، وتعكس هذه الأرقام حجم الانفاق العربي على البحث العلمي! فتقديرات منظمة اليونيسكو للعام 2004 لمصروفات الدول العربية على البحوث العلمية هي 1.7 مليار دولار أي 0.3٪ من مجموع الناتج القومي لكل الدول العربية، فيما صرفت إسرائيل في نفس العام مبلغ 9 مليارات وبما يعادل 2.6٪ من دخلها القومي. وهناك قضية مهمة ترتبط بالعلاقة الوثيقة بين البحث العلمي والقطاع الصناعي الذي يفترض ان يكون المستفيد الأكبر من التطور العلمي والتكنولوجي، ويعالج الباحثون هذه المسألة تحت عنوان «المردود التنموي والاقتصادي للبحث العلمي». وغني عن القول ان التمويل القادم من القطاع الخاص، الذي هو أساس صناعة البحث العلمي في الدول المتقدمة يخضع لعلاقة مصلحية، وان طالت سنوات الانتظار، ولا نعتقد أن لدى القطاع ا لخاص في البلدان العربية –وهو قطاع انتهازي ومرتبط بشكل أو بآخر بالحكومات– القدرة على الانتظار 7 أو 10 سنوات لرؤية نتائج بحث علمي أو تكنولوجي مفترض، ولأسباب تتعلق بهيكلة الاقتصاد وتحريره، فإن البحث العلمي تصعب تنميته فى ظل نمط ريعي ترعاه الدولة بنسب كبيرة كما هي الحال في الكويت، حيث تسيطر الحكومة على مجمل مقدرات الاقتصاد. وللتدليل على أهمية ارتباط البحث العلمي بالاقتصاد السائد في أي بلد يؤكد أمين عام المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان في أحد المؤتمرات العلمية، أن تقنيات المعلومات قدمت للاقتصاد الاميركي مبالغ خيالية من خلال استثمار البحوث العلمية في هذا القطاع، حيث بلغ حجمها 150 مليار دولار من أصل 510 مليارات دولار، رغم ان رأسمال التقنيات المعلوماتية لا تشكل سوى 6٪ من حجم المؤسسات الخاصة في أميركا! نعلم أن تداول هذه الأرقام مخيف، لكنه يعطي صورة واضحة عن مدى التخلف الذي تعيشه الدول العربية في هذا المجال، ما يعني ان الحديث عن بيئة البحث العلمي والتطوير يعد شيئاً من الخيال أو لنقل إنه اجترار لمأساة العلم والتعليم في 22 قطرا. فالبحث العلمي في أي بلد عربي اليوم، يفتقد إلى شبكات المعلومات، اضافة الى ان صناعة المعلومات في الاصل غير موجودة، كما تفتقد المؤسسات العلمية إلى قيمة التواصل والتنسيق فيما بينها، مما يهدر سنوياً ملايين الدولارات التي تذهب هباءً بسبب تشابه البحوث. الصناديق المتخصصة في تمويل البحوث شحيحة هي الاخرى، وفي بعض الدول غير موجودة أساساً، ويقف وراء كل ذلك عدم وجود سياسات للبحث العلمي، ويتبعه فقر في الانفاق عليه. فهل يحق لنا بعد هذا أن نقول إن لدينا بحثا علميا ومؤسسات خاصة به؟!