البطاطس...وكرامة العربي في وطنه!
أغلب المحال والشركات تتعامل مع زبائنها كما تتعامل الدوائر الحكومية مع المراجعين. حتى الشركات العالمية التي صار لها فروع عندنا أصبحت تتعامل معنا بنفس عدم الاكتراث، ولا أريد أن أقول الاحتقار!
أكرر دائما بأنه من النادر، بل لعله من المستحيل، أن تجد دولة يرتفع فيها مؤشر التنمية على صعيد واحد ويكون متدهوراً على جميع الأصعدة الأخرى، بمعنى أنه من الصعب أن تكون الرعاية الطبية متطورة جداً في بلد ما، ولكن التعليم فيها كسيح والاقتصاد متعثر والأمن متدهور، ولا يعقل أن يكون الاقتصاد متفوقاً في مكان ما والأوضاع السياسية منهارة والحركة العلمية مشلولة، وهكذا. مؤشرات التنمية تتصاعد سوياً وتنخفض سويا. صحيح أن بعض المؤشرات قد يسبق الآخر لأن بعضها قد يكون أسرع من بعض، لكنها في النهاية تسير كحزمة واحدة في اتجاه عام واحد.عندما تستقر الأوضاع السياسية مع تمكن النظام السياسي بسلطتيه التشريعية والتنفيذية من وضع خططه محل التطبيق والتقويم والتصحيح، فإن الاقتصاد يجد بيئة خصبة للتقدم، التعليم يجد فرصته للنهوض، وستتماسك البنى التحتية وتتطور جميعها، وكذلك فإن قيمة الإنسان واحترام مواطنته في ارتباط بما سبق. في الدولة المتقدمة تكون للفرد قيمة عالية، لأنه نواة الدولة وأساس الحراك فيها، ولأجله قام كل شيء في النهاية، وأما في الدول المتعثرة والمختطفة لأنظمتها الحاكمة يصبح الإنسان بلا قيمة، ويتحول حطباً لا بد أن يحترق، وعظاماً لا بد أن تسحق لمجرد أن يبقى النظام على قيد الحياة!وبطبيعة الحال، فإن الدول وقيمة مواطنيها تقع على درجات مختلفة مرتبطة بمقادير ودرجات التنمية فيها، ابتداءً من أعلاها تنموياً وقيمة للفرد في الوقت ذاته، وانتهاءً بأدناها تنموياً وقيمة للفرد، ومنطقي أن نقول إن قيمة الفرد في الدول المتقدمة تنمويا عالية جداً، حتى في أبسط الأشياء، كحقوقه الاستهلاكية على سبيل المثال. أذكر أنه يوم كنت أدرس في بريطانيا، كان الواحد منا يشتري السلعة ويستخدمها لأيام عدة، وحينما يكتشف أنها لا تناسب احتياجاته، يعيدها الى المحل ليقبض نقوده من دون أي مشاكل. صديق لي أعاد خلاطاً إلى المحل وفيه بقايا عصير لأن صوته لم يرق لمزاجه، وآخر استخدم حذاء جري لعدة كيلومترات وأعاده بعدها لأنه لم يتماش مع باطن قدمه! أما عندنا، في هذا الجزء من العالم، فلا قيمة للمستهلك، بل إن أغلب المحال والشركات تتعامل مع زبائنها كما تتعامل الدوائر الحكومية مع المراجعين! وبطبيعة الحال لا توجد عندنا أي جهات ذات قيمة، رسمية أو غيرها، لحماية المستهلك!لكن الأنكى من ذلك أنه حتى الشركات العالمية التي صار لها فروع عندنا أصبحت تتعامل معنا بنفس عدم الاكتراث، ولا أريد أن أقول الاحتقار!سلسلة مطاعم شهيرة للوجبات السريعة، صارت رمزاً من رموز العولمة لسعة انتشارها حول العالم، وعلى ذمة (البي بي سي) اعتذرت منذ أيام للهندوس والنباتيين لأنها لم تخبرهم بأن البطاطس التي تقدمها في مطاعمها مقلية قلياً أولياً بزيوت حيوانية، لكن الجالية الهندوسية في الولايات المتحدة مُصرة على رفع القضية للقضاء والمطالبة بتعويضات يقدر أن تصل إلى ملايين الدولارات!حسنا، وماذا عنَّا نحن؟ أليست البطاطس التي تبيعها هذه المطاعم في بلداننا هي ذاتها التي تأتي من أميركا مقلية قلياً أولياً بزيوت حيوانية؟ من يخبرنا يا ترى إن كانت حلالاً أم لا؟!لست في موقع الحكم على البطاطس ولا على هذه المطاعم بشيء، وكذلك لست أجرؤ على التفكير بمقاضاتها إن ثبت شيء فعلاً، ولكنني أتساءل فقط عن حقوقي في المعرفة كمستهلك عربي، أم أنه حتى هذه الشركات صارت تدرك أنه لا كرامة لعربي في وطنه؟!