رئيس الوزراء البريطاني توني بلير كان قد أكد قبل انفجار غزة الأخير أنه تلقى إشارات إيجابية من حركة «حماس»، وهذا يعني أن الصراع في الأساس بين هذه الحركة ومنظمة التحرير، هو صراع على من يمثل الشعب الفلسطيني في التسوية المقبلة.
ما جرى في غزة، قبل أيام، جاء نتيجة حتمية لمسيرة أكثر من عقدين مــن الزمن، فحركة «حماس» التي بدأت إرهاصات انطلاقتها بعد إخراج منظمة التحرير من بيروت، تحت ضغط الغزو الإسرائيلي في العام 1982، بدأت منذ البداية حركة إلغائية وجابَّة لما قبلها، ولهذا فإنها بقيت ترفض الانضمام الى هذه المنظمة رغم كل الإغراءات التي قدمها لها ياسر عرفات ومن بينها إعطاؤها نسبة أربعين في المئة من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني.قبل ذلك ومنذ انطلاقة الثورة الفلسطينية في العام 1965 كان الإخـــوان المسلمون (الفلسطينيون والأردنيون) قد نأوا بأنفسهم عن هذه الثورة، بل واتهمها بعضهم بالعمالة لحلف شمالي الأطلسي ولإسرائيل!! وقد بقي الوضع على هذه الحال الى أن شعر هؤلاء، في ضوء إخـراج «المنظمة» من بيروت وتدمير قواعدها في لبنان، بأن عليهم أن يتحركوا بسرعة لملء الفراغ وأن عليهم ألاَّ يتأخروا في قطف ثمرة غدت ناضجة. والملاحظ هنا أن الإعلان عن إنشاء حركة «حماس» في نهايات العام 1987 قد تم بينما كانت المفاوضات تجري بين منظمة التحرير وبين الولايات المتحدة في تونس، وبينما كانت الاتصالات بين ما يسمى «اليسار الإسرائيلي» وبين الفلسطينيين قد قطعت شوطاً طويلاً ومهدت للقاءات اللاحقة مع الحكومة الإسرائيلية التي انتهت، كما هو معروف، بلقاءات النرويج التي أسفرت عن توقيع اتفاقيات «أوسلو» التي على أساسها أقيمت السلطة الوطنية الفلسطينية والتي من أجل الاستحواذ عليها قامت حركة «حماس» بما قامت به في غزة في الأيام الأخيرة. ولعل ما تجدر الإشارة إليه أن حركة «حماس» خلال المرحلة التمهيدية ثم بعد انطلاقتها قد رفعت شعار التحرير من البحر الى النهر ورفضت في البدايات المشاركة وبأي صورة من الصور في السلطة الوطنية، لا انتخابات ولا حكومة ولا أي شيء آخر ، لكنها بعدما أطلق الرئيس الأميركي جورج بوش مبادرته لإقامة دولة فلسطينية مستقلة جنباً الى جنب مع إسرائيل أخـذت «تغزل ناعماً» وبدأت، خصوصا بعد فوزها بآخر انتخابات تشريعية وتشكيلها لأول حكومة انفردت بها، تصدر إشارات «إيجابية» وصلت الى حد الإعلان الصريح عن أن وجود إسرائيل في هذه المنطقة غدا حقيقة لا يمكن إنكارها، وأنها باتت تقبل بدولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت في العام 1967. لقد كان واضحاً، إلا لمن لا يريد أن يرى الحقائق، أن «حماس» عندما بدأت موجة العمليات الانتحارية وبعد ذلك عندما لجأت إلى حرب صواريخ القسام، وإلى زعزعة الأوضاع الأمنية في غزة والضفة الغربية، كانت تريد إثبات أن منظمة التحرير غير مؤهلة لتمثيل الشعب الفلسطيني، وأن هذه المنظمة لا تستطيع الالتزام بالاتفاقيات التي تُبرم معها، وأن البديل هو القادر على الحرب والسلام والذي إن تم الاتفاق معه على هدنة قادر على احترامها وقادر على فرضها على الفصائل الفلسطينية الأخرى ولو بالقوة. ولذلك، وبينما المواجهة بينها وبين السلطة الوطنية وحركة «فتح» أخذت تتصاعد بصورة «دراماتيكية»، بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة وتشكيل إسماعيل هنية للحكومة التي شكلها أولاً وثانياً، أطلقت «حماس» وثيقة أحمد يوسف الشهيرة التي تضمنت تنازلات عن كل «الثوابت» والشعارات السابقة واقتربت حتى حدود التطابق الكامل مع اتفاقيات «أوسلو» وقد ظهرت في هذه الفترة بالذات «القوة التنفيذية» التي أعلنها وزير الداخلية «الحماسي» السابق سعيد صيام لإظهار قدرة حركته على ضبط الأمور وقدرتها على تنفيذ كل ما تلتزم به في إطار أي اتفاقية سلمية. إن هذه هي الصورة الحقيقية لكل ما جرى وما يجري ولعل ما يجب التوقف عنده هو أن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير كان قد أكد قبل انفجار غزة الأخير أنه تلقى إشارات إيجابية من حركة «حماس» وهذا يعني أن الصراع في الأساس بين هذه الحركة ومنظمة التحرير، هو صراع على من يمثل الشعب الفلسطيني في التسوية المقبلة ولذلك فإن المتوقع أن يحاول خالد مشعل نقل ما جرى في غزة الى الضفة الغربية. كاتب وسياسي أردني
مقالات
صراع هذه هي أسبابه!
20-06-2007