لا يمكن على الإطلاق أن يعيش كل فرد في المجتمع هاجس رفعة الوطن، وأن يكون شغله الشاغل أن يقدم جهده ويبذل عرقه لأجل هذا الوطن، إن لم يشعر بأن قيادته تراه جزءاً لا يتجزأ من المسيرة، ومكوناً أساسياً لا تكتمل الصورة الكلية دونه، وهذه ليست الحال عندنا وللأسف.يقولون إن صناعة أمجاد الأوطان ليست مسؤولية الحكومات وحدها، وإنما مسؤولية كل أفراد المجتمع، كل بحسب موقعه ومسؤوليته، وهذا صحيح إلى حد ما، ولكن تبقى الحكومات في قناعتي هي المنوط بها أن تقود المسيرة وفق رؤية محددة نحو المستقبل، ولأني أؤمن بهذا إيماناً عميقاً فلن أتوقف عن توجيه النقد الشديد، بل والتوبيخ والتقريع، لحكومتنا على إخفاقها في قيادتنا وفق خطة محددة، حتى وإن قيل إن القائد لا يستطيع أن يفعل شيئاً من دون فريق يسانده.
أنا أؤمن بأن صناعة فريق العمل الناجح، القادر على حمل رسالة الارتقاء بالوطن، والسير بها نحو المستقبل، من مسؤولية القائد أيضا.
القصة الشهيرة التي تروى عن ذلك الرجل الذي دخل إلى مقر وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) في الستينيات قبل نجاح الأميركان في الوصول إلى القمر، فوجد امرأة تقوم بتنظيف الأرضيات بمكنسة وجردل ماء، وسألها عما تعمله، لتجيبه بأنها تساهم في إرسال رجل إلى القمر، تدل بوضوح على أهمية أن يدرك كل شخص، مهما صغر حجم عمله، قيمة ما يعمله لأجل الهدف الأسمى لمنظومة العمل بأسرها.
لكن كيف للمرء أن يدرك ذلك إن لم يدركه القائد قبل ذلك ويغذيه في نفوس أتباعه؟! لا يمكن على الإطلاق أن يعيش كل فرد في المجتمع هاجس رفعة الوطن، وأن يكون شغله الشاغل أن يقدم جهده ويبذل عرقه لأجل هذا الوطن، إن لم يشعر بأن قيادته تراه جزءاً لا يتجزأ من المسيرة، ومكوناً أساسياً لا تكتمل الصورة الكلية دونه، وهذه ليست الحال عندنا وللأسف.
الهزال والتردي الشديد الذي يغلب على مناحي الحياة في الكويت نابع من الهزال والتردي الشديد الذي يعصف بالقيادات العليا في أغلب مؤسسات الدولة، إن لم تكن كلها، وانتقل منها بطبيعة الحال إلى القيادات الوسطى، ليستقر في نفوس كل موظفي القطاعات العامة. لذلك، والحالة هذه، فلا يمكن أن تجد موظفاً عندنا يشعر بأنه يقوم بعمله اليومي، لأنه يساهم في دفع مسيرة الوطن... لا يوجد هذا الكلام الحالم عندنا على الإطلاق!
ما يوجد في مؤسساتنا العامة هو تغيب عن العمل بأعذار طبية ملفقة، ومكاتب فارغة، وقراءة جرائد في أوقات الدوام الرسمي، وتدخين وأكل.
لا توجد في مؤسساتنا العامة محاسبة فعلية على الحضور المرتبط بالإنتاجية، ولا توجد تقييمات أداء صادقة تنصف من يعمل على من لا يعمل، ولا توجد مكافآت وترقيات مرتبطة بتحقيق النتائج. ما يوجد في مؤسساتنا هو شللية ومحسوبية وترقيات ومكافآت بلا معايير ولا أسس.
ولأن القيادة العليا لا تشعر بحقيقة كل هذا الدمار الذي يعصف بمؤسساتها تحتها، ولأنها لا تريد أن تدرك أن هذا الفساد الناخر في أساسات البلد، هو داء متأصل متجذر يحتاج إلى ثورة حازمة حاسمة لإعادة الأمور إلى نصابها، حتى وإن كانت ضد مزاجات قوى الفساد، فإن الأمور ستبقى على ما هي عليه، وسيبقى مجد الوطن مجرد أغنية فارغة يترنم بها الصغار في احتفالات العيد الوطني!