على خطى أوجلان!!

نشر في 04-05-2008
آخر تحديث 04-05-2008 | 00:00
 صالح القلاب

لا تريد «حماس» رؤية المأزق الذي ينتظرها عند أول منعطف على طريق علاقاتها بسورية كدولة لها مصالحها ولها قضاياها وحساباتها، ولذلك فإن نائب رئيس مكتبها السياسي الدكتور موسى أبو مرزوق لم يجد ما يقوله عندما سئل عن انعكاسات أي اتفاق سوري-إسرائيلي على حركته وعلى الحالة الفلسطينية كلها سوى التأكيد على قوة العلاقات مع دمشق.

ما إن ثبت أن «الغزل» السوري-الإسرائيلي، عبر الوساطة التركية جديٌّ، وأنه قد يجْمعُ رأسيْ هذين الحبيبين، بعد جفاء استمر ثمانية أعوام، على مخدة واحدة حتى بدأ المغص يقطِّع أمعاء التنظيمات الفلسطينية التي يقيم قادتها في دمشق، على الرحب والسِّعة، وأولها حركة «حماس» التي لم تتعلم من تجارب الآخرين ولم تتذكر، عندما وضعت كل بيضها في السلة السورية، كيف أن اللعبة السياسية قدَّمت رأس عبدالله أوجلان إلى الأتراك على طبق من فضة.

هناك تنظيمات هامشية أُنشئت في دمشق وهي لاتزال تقيم هناك، وهي في الأساس ليست سوى بنادق للإيجار، وهذه التنظيمات سيكون موقفها هو الموقف السوري نفسه حتى إن انتهت الوساطة التركية إلى جمع الرئيس بشار الأسد برئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وإلى توقيع معاهدة سلام سورية-إسرائيلية وانسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من يونيو 1967 أو أكثر أو أقل.

إن المشكلة هي أن حركة «حماس» التي يبدو أنها لم تقرأ مسيرة الثورة الفلسطينية لأنها في الأساس تكره هذه المسيرة، وتريد شطبها ليبدأ تاريخ المقاومة ببداية انطلاقتها التي جاءت متأخرة نحو ربع قرن، صدَّقت حكاية «فسطاط الممانعة والمقاومة» وظنَّت أن سورية هي التي ستُكيِّفُ سياساتها ومواقفها معها وليس العكس، وأن هذه الأيام الربيعية الجميلة التي يعيشها خالد مشعل في ضيافة الشام دائمة وباقية.

لو أن «حماس» قرأت تاريخ المسيرة الفلسطينية قراءة جيدة لعرفت أن أول ثورة فلسطينية، والمقصود ثورة 1936 – 1948، قد انتهت في منطقة «يعفور» إلى الغرب من دمشق، وأن المجاهدين الفلسطينيين الذين غادروا فلسطين مع من غادر بعد قيام دولة إسرائيل في مثل هذه الأيام قبل ستين عاماً قد وضعوا في معسكرات في هذه المنطقة الآنفة الذكر إلى أن تم إنهاء حالتهم كظاهرة، وإلى أن أُطلق سراحهم ليتفرقوا ويتشتتوا في أربع رياح الأرض.

والأسوأ أن «حماس»، وهي ترفض تصديق ما تراه بعينيها وتسمعه بأذنيها وترفض الاعتراف بأنها ذاهبة إلى ورطة، تراهن على «وطنية» اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي ما إن أحس بجدية الوساطة التركية حتى أعلن حالة الاستنفار القصوى، وأخذ يهاجم أولمرت وحكومته لأنها قد تفرط بهضبة الجولان التي تم ضمها إلى إسرائيل بقرار من الكنيست، والتي تعتبرها أغلبية الإسرائيليين مجالاً حيوياً للدولة الإسرائيلية سواء على صعيد الأمن أو على صعيد المياه والمصادر الطبيعية.

لا تريد «حماس» رؤية المأزق الذي ينتظرها عند أول منعطف على طريق علاقاتها بسورية كدولة لها مصالحها ولها قضاياها وحساباتها، ولذلك فإن نائب رئيس مكتبها السياسي الدكتور موسى أبو مرزوق لم يجد ما يقوله عندما سئل عن انعكاسات أي اتفاق سوري-إسرائيلي على حركته وعلى الحالة الفلسطينية كلها سوى: إن علاقاتنا مع دمشق قوية ونحن مطمئنون أنه لن يكون هناك تأثير على هذه العلاقات مهما كانت نتائج هذا الذي يجري بوساطة تركية.

إن «حماس» لا تريد تخيُّل أن شهر عسلها في دمشق قد اقتربت نهايته، ولذلك فإن الدكتور أبو مرزوق قال إنه يعتقد بوجود ارتباك على المسار السوري يتمثل بالمعارضة الأميركية والخلافات الداخلية الإسرائيلية... والحقيقة أن هناك معارضة أميركية، وهناك خلافات داخلية إسرائيلية بالفعل، لكن هناك أيضاً انتخابات أميركية باتت على الأبواب قد يفوز فيها الديموقراطيون، وأن هناك انتخابات إسرائيلية مقبلة قد تكون نتائجها لمصلحة تعزيز إيهود أولمرت لمواقعه، وهذا كله يجب أن يدفع أصحاب «فسطاط الممانعة» إلى مراجعة حساباتهم جيداً... فسورية دولة لها حساباتها المختلفة عن حسابات كل الفصائل الفلسطينية، والمؤكد أنها إزاء هذه الحسابات لن تتوانى عن أن يكون مصير خالد مشعل كمصير عبدالله أوجلان وربما أسوأ إذا اقتضت الضرورة هذا.

* كاتب وسياسي أردني

back to top