حديقة الإنسان: تهويد النكت!

نشر في 21-03-2008
آخر تحديث 21-03-2008 | 00:00
 أحمد مطر

إن الجوهر الأصلي لأي نكتة هو طاقة الإضحاك، وبقدر قوة هذه الطاقة تكون درجة تحقق الهدف المراد منها، وهو التخفيف من وطأة مصاعب الحياة على الإنسان، وعليه فإن تجنيسها أو تديينها ليسا سوى عرضين زائلين، وإلا لما رأيناها تغير جنسيتها أو دينها أو أسماء أبطالها بهذه السرعة الفائقة خلال انتقالها من بيئة إلى أخرى.

هل يمكن للنكتة أن تعتنق دينا معينا، أو أن تتخذ انتماء قوميا محددا؟

الواقع يقول إن الأهواء والأغراض والحاجات هي التي تفصل للنكتة رداءها الديني أو القومي أو سواهما، وشاهد ذلك هو أن النكتة الواحدة تتنقل بين مختلف الشعوب والبلدان، وعبر مختلف اللغات، فتتباين الأغراض المرجوة منها، وتختلف أسماء أبطالها، لكن جوهرها الأصلي يبقى كما هو... إنسانياً خالصاً وشاملاً، فكأنها تعبير عن كينونة الإنسان نفسه الذي يولد على الفطرة، لكن أهله هم الذين يمنحنونه دينهم وهويتهم.

إن الجوهر الأصلي لأي نكتة هو طاقة الإضحاك، وبقدر قوة هذه الطاقة تكون درجة تحقق الهدف المراد منها، وهو التخفيف من وطأة مصاعب الحياة على الإنسان، وعليه فإن تجنيسها أو تديينها ليسا سوى عرضين زائلين، وإلا لما رأيناها تغير جنسيتها أو دينها أو أسماء أبطالها بهذه السرعة الفائقة خلال انتقالها من بيئة إلى أخرى، من دون أن يغير ذلك شيئا من شخصيتها.

هذه الخطوات مرت في ذهني، وأنا أقرأ كتاب (ديفيد مينكوف) الصادر عن دار روبسن في لندن، الذي سماه (الكاتب الأساسي للنكت اليهودية)... فتساءلت عما يملكه اليهود، من دون سواهم، من خصائص إنسانية مميزة يمكن أن تجعل أكثر من ألف نكتة ضمها الكتاب، وغيرها مما لم يضمه، خالصة لهم من دون جميع الناس؟!.

فتّشت في ذهني عن أبرز الخصائص التي تميز اليهودي، فوجدتها تعد على أصابع اليد الواحدة: فهو تائه مسبي مغضوب عليه تاريخياً، وهو ملتزم بالختان وتناول الطعام الشرعي (الكوشر)، وهو حريص على المال، وهو في طوره الحديث.. المواطن (الإسرائيلي) مهما اختلفت جنسيته أو تباعد وطنه في الأرض.

ولما كان (مينكوف) قد ذكر في مقدمة كتابه أنه نأى عن النكت العنصرية أو تلك التي تتناول قضايا الشرق الأوسط (وهو يعني هنا بلا ريب قضية إسرائيل في هذا الشرق المبتلى) فإنه قد حذف أصبع الإبهام الضخم من أصابع اليد الواحدة، إذ إن إسرائيل هي النكتة الوحيدة التي يمكن اعتبارها نكتة يهودية خالصة، مع أنها ليست مما يعول عليه في هذا الحقل، لأنها، في الواقع، نكتة سوداء لا تستثير سوى المواجع!

أما مآسي اليهودي التاريخية فهي مما يشاركه فيها معظم أهل الأرض، بل إنه، في الزمن الراهن، قد تبرع لبعضهم بهذه الشراكة، حين طبع من مآسيه نسخة متكاملة على جلود الذين احتل أرضهم بالقوة.

وأما الحرص على المال، فعلى الرغم من تمتع اليهودي بهذه الصفة نمطياً، فإن البشر جميعاً هم أشباهه في هذا الأمر، وإن كانوا خارج دائرة التنميط، فمن هذا الذي لايحب المال ولا يحرص عليه؟

بقي لدينا إصبعان فقط: الختان والطعام الشرعي... وعند هذا الحد يحسن بنا أن نقبض أصابعنا تماما، فهاتان الخصوصيتان لا تعدان امتيازاً لليهود، ذلك لأن عددهم جميعاً لا يتجاوز أكثر من خمسة عشر مليوناً، في حين أن المسلمين يلتزمون، مثلهم، بالختان والذبح على الطريقة الشرعية، هم أكثر منهم مئة مرة!.

أغلب الظن أن (مينكوف) قد أقدم على تهويد نكت كتابه سعياً لاستثارة الفضول لدى القارئ الذي يستهويه موضوع الشخصية المختلفة، ومن ثم فإن هذه الاستثارة ستترجم الزيادة في مبيعات الكتاب. وأحسب أنه قد نجح في ذلك، فالنسخة التي بين يدي هي من طبعته الثانية خلال عامين اثنين فقط، لكن قراءة الكتاب تكشف عن أن الهوية اليهودية لأغلب النكت تتلاشى في الهواء سريعا، فور انتزاع الأسماء اليهودية منها.

وعلى هذا فإن محتويات الكتاب هي نكت... نكت فقط، كائنات عالمية لا دين لها ولا قومية، مسدسات بأعتدة الفكاهة والسخرية، يطلقها المرء على الآخرين... ويطلقها الآخرون عليه، وأنا شخصياً كنت أعرف الكثير منها ولكن بهويات مختلفة أخرى، ومنها هاتان النكتتان:

ركبت (ميريام) الباص حاملة طفلها الرضيع، وفيما هي تدفع ثمن التذكرة، قال لها السائق: لقد شاهدت في حياتي كثيراً من الأطفال، لكن طفلك هذا هو أقبح طفل وقعت عليه عيناي!

صُدمت ميريام، وغضبت جداً من جراء هذه الإشارة الغليظة لطفلها، وما إن جلست حتى انخرطت في البكاء.

سألها الرجل الجالس في المقعد المجاور: ما الحكاية؟

ردت ميريام: لقد أهانني السائق.

قال الرجل: لو كنت في مكانك لما تركته يفلت بفعلته، قومي وردي له الإهانة بمثلها. هيا اذهبي، ودعيني أحمل عنك (قردك) هذا!

............

تعطلت ساعة (ديفيد)، فتذكر أنه قد سبق له أن مر بمحل صغير يعرض في واجهته ساعات ومنبهات، ولذلك فقد أخذ ساعته لتصليحها هناك.

سأله صاحب المحل: بماذا أخدمك؟

- أريدك أن تصلح لي ساعة يدي.

- آسف، إنني لا أصلح ساعات.

- حسناً، كم ثمن واحدة جديدة؟

- إنني لا أبيع ساعات.

- أنت إذن تبيع ساعات منبهة، كم ثمن الواحدة منها؟

- أنا لا أبيع ساعات منبهة.

قال ديفيد متحيراً: لا تبيع ساعات، ولا ساعات منبهة؟!

رد صاحب المحل: كلا... أنا متخصص بالختان.

تساءل ديفيد: إذن لماذا وضعت كل هذه الساعات والمنبهات في واجهة محلك؟!

قال صاحب المحل: أنت قل لي... إذا كنتَ (ختّاناً) فماذا كنت ستضع في واجهة المحل؟

* شاعر عراقي- تنشر بالاتفاق مع جريدة «الراية» القطرية

back to top