بعد مرور عشرة أعوام على وفاتها ما زالت الأميرة ديانا تتمتع بنجوميتها اللامعة. فوسائل الإعلام المختلفة حافلة بمقالات التقدير والتبجيل واسترجاع الذكريات. وفي كل مكان من العالم يتقبل عامة الناس هذا بكل لهفة. هل تحولت ديانا في أعين الناس إلى قديسة من نوع جديد، وإن كانت هذه هي الحقيقة، فبأي شيء ينبئنا هذا؟
كنت عام 2004 قد صادفت هذا الإعجاب بالأميرة ديانا، والذي يكاد يصل إلى حد العبادة، حين كنت في هايد بارك يوم افتتاح الملكة نافورة الأميرة ديانا التذكارية. ولقد وجدت نفسي محاطاً بمجموعة من النساء في منتصف العمر يرتدين معاطف وقبعات مغطاة بالشارات، حتى ظهرن وكأنهن فريق من معجبات كرة القدم المتعصبات، إلا أن الشارات التي كانت تغطي ملابسهن كانت تحمل وجه الأميرة ديانا وليس وجه ديفيد بيكهام.بدأت في تبادل الأحاديث البسيطة معهن، فأدركت أن ملابسهن، وحقائبهن، وأحذيتهن مصنوعة بحيث تماثل ما كانت ديانا ترتديه من ملابس أثناء حياتها. حتى أن بعضهن خصصن في مساكنهن غرفاً تحمل اسم «غرفة ديانا»، وملأن هذه الغرف بتذكارات خاصة بالأميرة ديانا. وبدا لي وكأن حياة هؤلاء النسوة تدور حول امرأة توفيت منذ سبعة أعوام آنذاك.كان المثال الإيطالي لويجي بياجي قد قدم رؤيته لهذه الظاهرة بنحت تمثال للأميرة ديانا في وقفة وأردية توحي بمريم العذراء. وكأنه بعمله هذا أراد أن يقول إن المشاهير أصبحوا يحتلون منزلة الرموز الدينية. كما قامت الباحثة البريطانية مارغريت إيفانز بدارسة التذكارات وعبارات التقدير والإجلال التي تركها الناس للأميرة ديانا بعد وفاتها، فوجدت أن بعض الناس أشاروا إليها بالقديسة، أو الملاك، حتى أن بعضهم شبهها بالمسيح!ولقد نشأت نظريات غريبة حول وفاة ديانا، فزعم بعضهم أنها قُـتِلت على يد الاستخبارات البريطانية لأنها كانت تشكل تهديداً للعرش، بل لقد زعم آخرون أنها تعيش في سعادة مع حبيبها الجديد دودي الفايد، وأن حادث الوفاة كان بالكامل عبارة عن تغطية مدبرة سلفاً للهروب من فضول الإعلام والدعاية. ثم بعد ذلك، وكما يليق بوفاة شخصية شبه مقدسة، اكتشفت نبوءة وفاتها في كلمات المغني، وكاتب الأغاني موريسي في ألبوم لفريق سميثز بعنوان «موت الملكة».إذا ما نظرنا إلى الأمر نظرة عقلانية محايدة فلسوف ندرك أن «تأليه» ديانا على هذا النحو لا يقل سخافة عن أي عبادة وثنية. لا أحد يستطيع أن ينكر أن ديانا استغلت شهرتها في الترويج لقضايا جديرة بالاهتمام. لقد كانت حريصة على رعاية المرضى والمحرومين. وكانت الجهود التي بذلتها في سبيل حظر استخدام الألغام الأرضية تقابل بالسخرية في بعض الأحيان باعتبارها جهودا ساذجة على المستوى السياسي، إلا أنها نجحت في شد انتباه العالم إلى هذه القضية. ولا نستطيع أن نجزم ما إذا كانت تلك الجهود، في حال عدم وفاتها، قد تؤدي إلى عقد معاهدة أوتاوا التي حظرت استخدام الألغام الأرضية. فحتى الآن لم توقع دول عديدة، ومنها الولايات المتحدة وروسيا والصين وإسرائيل وإيران، على المعاهدة.بطبيعة الحال، كان أسلوب حياة ديانا المترف كثيراً ما يتعارض على نحو صارخ مع التزامها نحو الفقراء والمرضى. إلا أن عيوب ديانا كانت تشكل جزءاً من جاذبيتها. فعلى النقيض تماماً من جمود أفراد الأسرة الملكية البريطانية وتحفظهم، كانت ديانا تخرج إلى الناس بمظهر الأميرة التي هي أيضاً إنسانة طبيعية، وأقرب إلى بقية الناس. وأثناء مرورها بأزمة الطلاق المؤلمة التي نتجت عن عدم إخلاص زوجها، كانت موضعاً لتعاطف الملايين من النساء اللاتي شاركنها آلامها. وفي ذلك العصر قبل انتشار برامج «تلفزيون الحقيقة»، كانت حياة ديانا عبارة عن تلفزيون الحقيقة.لقد شعر الناس بسبب التركيز الإعلامي المتواصل على الأميرة ديانا، وكأنهم يعرفونها شخصياً. الأمر الذي جعلهم يتابعونها ويهتمون بشدة بلحظات سعادتها أو بؤسها، وكأنها واحدة من أفراد أسرهم. كانت حياة الأميرة ديانا بمنزلة تعويض لهم عن حياتهم الكاسدة، حيث أضفت عليها الإثارة والتألق.كان الإيرل سبنسر يحثنا على مقاومة إغراء تمجيد أخته. وفي الكلمة التي ألقاها في جنازتها وهي أكثر الكلمات أهمية وتشويقاً بين كل الكلمات التي ألقيت تأبيناً لها قال إن تحويلها إلى قديسة لا يتفق مع «حسها الفكاهي العابث». إلا أنه سرعان ما شرع في تعديد مناقبها التي تكاد تجعل منها شبه قديسة، خصوصا رغبتها «الطفولية» في عمل الخير من أجل الآخرين. وفي محاولة لتفسير الأسلوب الذي استهزأت به الصحف البريطانية بنواياها الحسنة، قال «إن تفسيري الخاص والوحيد هو أن الخير الأصيل يهدد أولئك الذين يديرون حياتهم وفقاً لمنظور أخلاقي معاكس».ربما كانت هذه الملاحظة تعتبر ردا لاذعا مريرا على الدور الذي يرى سبنسر أن أجهزة الإعلام، وصيادي صور المشاهير العاملين لديها، قد لعبته في موت ديانا، إلا أنها لم تكن عارية من الحقيقة. ذلك أن بعض الناس يلجؤون إلى السخرية والاستهزاء للتملص من مسؤولياتهم الأخلاقية. فإذا ما كان بوسعك أن تقنع نفسك بأن كل شخص لا يبحث إلا عن مصلحته الخاصة، فما الذي يدفعك إذاً إلى محاولة الارتقاء بذاتك؟.إن أي إنسان يحمل رغبة مخلصة في عمل الخير، ولو كان ساذجاً، يشكل تهديداً لتلك الصدَفة الرقيقة التي يحتمي بها شرار الناس. واللجوء إلى الاستهزاء والسخرية من بين الأدوات الفعّالة لمراوغة هذا التهديد. ربما كانت الأميرة ديانا قد تحظى بحياة أفضل في الولايات المتحدة، حيث الناس وأجهزة الإعلام أكثر استعداداً لتقبل النوايا الطيبة وتقديرها وفقاً لقيمتها الظاهرية.ولكن ما مدى التأثير الذي خلفته حياة ديانا ووفاتها على الملايين الذين أعجبوا بها وأحبوها؟ بعد وفاتها حزن عليها عشرات الملايين من الناس وأرسل العديد منهم الخطابات والشيكات إلى «صندوق ديانا أميرة ويلز التذكاري» (www.theworkcontinues.org). ولكن رغم استمرار أعمال الخير التي بدأتها الأميرة ديانا، فإنها أصبحت الآن على نطاق أكثر تواضعاً ومستقرة في خلفية العمل الخيري العام.ربما كان ذلك أمراً لا مناص منه. فعلى الرغم من قدرة بعض الشخصيات على إثارة مشاعر الناس وتحريكها، فإن مثل هذه المشاعر غالباً ما تكون مؤقتة ونادراً ما تسفر عن تغيير حقيقي في حياة الناس. أو ربما تصور أولئك الذين ارتبطوا ذات يوم بالأميرة ديانا بهذه القوة أنهم قد شاركوها في أفعالها الخيرة، ولم يعد من الواجب عليهم الآن أن يبذلوا مزيدا من الجهد؟* بيتر سنغر | Peter Singer ، أستاذ أخلاق الطب الحيوي بجامعة برينستون وأستاذ فخري بجامعة ملبورن. ومن بين مؤلفاته كتاب «كيف ينبغي لنا أن نحيا؟»، وكتاب «كتابات حول حياة أخلاقية».«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
القديسة ديانا
31-08-2007