شعراء وصحافيون... ومحاكم

نشر في 09-11-2007
آخر تحديث 09-11-2007 | 00:00
 محمد سليمان انشغلت المحاكم المصرية وامتلأت ساحاتها في الأشهر الأخيرة بقضايا الشعراء والصحافيين والكتاب، فصدرت أحكام بالسجن والغرامة ضد خمسة من رؤساء تحرير الصحف المستقلة والحزبية، إضافة إلى ستة صحافيين آخرين طالتهم العقوبات، وفاقم شيخ الأزهر ذلك الاحتقان عندما أفتى بجواز جلد الصحافيين والكتّاب!

هناك حرب معلنة على الشعراء والكتّاب والصحافيين وسعي دائم إلى حبسهم جميعهم في أقفاص الولاء للنظام والمؤسسة الدينية، باستخدام أسلحة المصادرة والحبس والغرامات، لردع وقمع المتمردين والمعارضين والساعين إلى خير مجتمعهم وأمتهم.

فقصيدة «شرفة ليلى مراد» للشاعر حلمي سالم صودر بسببها العدد الأول من مجلة «إبداع» في إصدارها الجديد، ورفع الشيخ يوسف البدري قضية ضد وزارة الثقافة المصرية، مطالباً بسحب جائزة التفوق التي مُنحت للشاعر في الصيف الماضي.

وقبل أسابيع أصدرت إحدى المحاكم حكماً لمصلحة الشيخ البدري ضد الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي ومؤسسة «روز اليوسف»، وقضت بتوقيع عقوبة الغرامة عليهما، وهو الحكم الذي أثار ضجة كبيرة لأنه انتهى بالحجز على أثاث منزل الشاعر تنفيذاً للحكم!

وفي الأيام الأخيرة أرسل الأزهر تقريره عن قصيدة حلمي سالم السالفة الذكر إلى المحكمة، وجاء فيه أن القصيدة لا علاقة لها بالفن والابداع، وأنها فقط تروج للكفر والخروج على الدين، وقد تلا رئيس المحكمة تقرير الأزهر في الجلسة الأخيرة من قبيل تبرير منطوق حكمه.

وفي السياق نفسه، أقام الشاعر أحمد الشهاوي دعوى قضائية ضد شيخ الأزهر، مطالباً بوقف قرار مصادرة كتابه «الوصايا فى عشق النساء».

***

المتابع للتراث العربي والحركة الشعرية بوجه عام، يكتشف أن الشعر كان ومازال، فناً يعتمد على قدرة الشاعر على التخيل و«الشطح» بخيالاته واقتناص البعيد واللامألوف، وسيدرك في نهاية المطاف أن محاكمة الشعر والشاعر لا جدوى منها. فالشاعر لا يكتب تقريراً علمياً محدداً ودقيقاً، بل يتوهم ويتخيل ويكذب أيضاً، من هنا قال نقادنا القدامى «أعذب الشعر أكذبه». وكان الرسول الكريم (ص) يبتسم كلما سمع شاعره حسان بن ثابت حينما ينشد شعره وراء المسجد مباهياً ببطولاته في المعارك وبشجاعته التي لا مثيل لها؛ برغم أن حسان كان رقيق القلب لا يقوى على الصمود في المعارك، وعُرف عنه أنه سرعان ما يبادر إلى الفرار بمجرد معرفته باندلاع حرب.

ويكتشف المتابع للتراث أيضاً أن تُهم الإلحاد والمروق عن الدين قد أُلصقت بمعظم شعرائنا وكتابنا الكبار، ابتداءً من الشاعر بشار بن برد الذي قُتل في عصر الخليفة المهدي بتهمة الإلحاد، مروراً بالمتنبي والمعري وأبي حيان التوحيدي وغيرهم، وانتهاءً بالعديد من كتابنا وشعرائنا المعاصرين.

والملاحظ أن هناك ميلاً ما لإدانة المبدعين في أغلب القضايا المنظورة أمام المحاكم، خصوصاً عندما تحيل هذه المحاكم الأعمال الإبداعية إلى الأزهر، وليس إلى نخب من المبدعين والنقاد لقراءتها وإعداد تحليلات نقدية متخصصة بشأنها. وفي الغالب تسفر «تقارير الأزهر» عن إدانه المبدعين، ربما لأن المسؤولين في هذه المؤسسة الدينية يرون في مجرد إحالة الأعمال الفنية إليهم نوعاً من الإدانة المبكرة، فيفحصون تلك الأعمال بحثاً عن شواهد بعينها تعينهم على إدانة المبدع ومصادرة العمل، متناسين أن القصيدة أو الرواية تقبل مستويات عديدة من التأويل، وتوظف الحلم والخيال والأساطير، ومن ثم فهي في حاجة إلى فاحص خبير بالفنون والأدب وتياراته المختلفة.

بقي أن أشير إلى أولئك المدعين ومحدودي المواهب المتمسحين بالأدب والشعر، الذين يحاولون لفت الانتباه وحصد أي قدر من الشهرة و الأضواء، فيسعون إلى الإثارة والفجاجة وتمجيد التحلل والانحلال، حالمين فقط بمصادرة أعمالهم الرديئة أو صدور أحكام قضائية ضدهم، وهو ما يمنحهم نوعاً من الاعتراف بالوجود ويحيطهم بالاهتمام الإعلامي. وفي أحيان كثيرة تراهم لا يتورعون عن الإبلاغ عن أعمالهم بأنفسهم لتحقيق مثل هذه الأهداف، مستفيدين من الهزال النقدى وانحسار القراءة واختلاط الجيد بالرديء، فضلاً عن أجهزة الإعلام الساعية إلى الإثارة والقادرة على صناعة النجم، إضافة إلى كرم وطيبة زملائهم الذين يبدون استعدادهم الدائم للدفاع عن حقوق الكاتب وحريته، علاوة على مؤسسات أجنبية في الخارج تتلقف أعمالهم وتمطرهم بالترجمات والتحليلات... والرعاية أيضاً.

* كاتب وشاعر مصري

back to top