Ad

في ما مضى كانت مشاهد القتل «التمثيلية» التي نشاهدها في الأفلام تؤثر فينا أيما تأثير، أما الآن فنشعر بأنها «لعب عيال» وكلام فارغ، فقد عوّدنا هؤلاء الأشاوس على المشاهد «الحقيقية» للجثث المتناثرة والرؤوس المفصولة والبطون المبقورة والأشلاء المقطعة، فما عاد يؤثر في مشاعرنا إبداع أكبر مخرج سينمائي في هذا المجال.

نشرات الأخبار التلفزيونية هي أدق إحصائية يومية، لعدد المهووسين المسيطرين على عقول عدد لا بأس به من جماهير عالمنا العربي والإسلامي، وهي تعطينا أولاً بأول عدد الضحايا من القتلى والجرحى الذين يتسبب الجهل والتعصب والسياسات العنترية الغبية بمآسيهم، وهي تخبرنا وبكل أمانة أن الوضع المزري لايزال مستمراً حتى إشعار آخر، مادام الأبطال والأتباع أنفسهم هم أصحاب الصوت الأعلى والجماهيرية الأوسع على الساحتين العربية والإسلامية!

«فاترينة» فريدة من نوعها، تعرض للعالم كل يوم منتوجاتنا السياسية «الرائعة»، بكل ما فيها من غرائب وعجائب تنفرد بها أمتنا عن بقية الأمم، فأغلب جماعاتنا الإسلامية الحمقاء وأحزابنا الثورية الهوجاء، وبعض القادة العرب وبقية إخواننا الانتحاريين المتعجلين دخول الجنة، يقدم، وبكل رحابة صدر، آخر إبداعاته الفكرية وإنجازاته النضالية «القيّمة» للمشاهدين الأكارم في بداية كل نشرة إخبارية.

ويستطيع أي مشاهد عربي- وبملء إرادته- أن يختار المفضل من بينهم، فيختار أحدهم على سبيل المثال المجاهد «أسامة بن لادن» أو المفكر «أيمن الظواهري» أو الشهيد «الزرقاوي» أو المقاوم «مقتدى الصدر» كلٌ حسب ذوقه ونظرته الخاصة للشجاعة والبطولة، وقد يترحم كثير من المشاهدين الأشاوس على بطولات المقبور الركن «صدام حسين»، لأن المواهب العظيمة في «الهبل والاستهبال» قد ندرت من بعده، لذلك يدعون الله أن يعوضهم خيراً منه... وإن كانوا في شك من أن الزمان سيجود بمثله!

لكن والحق يقال أن الأعوام الأخيرة شهدت تفوق المجاهدين والمناضلين في العراق على منافسيهم أيما تفوق، فقد أدخلوا الكثير من «الأكشن» على مشاهدهم المثيرة مما زاد عدد معجبيهم ومريديهم زيادة كبيرة، حيث حظيت مشاهد «الذبح الإسلامي» بالنسبة الأعلى من المشاهدين، وأصبح كثير من الأطفال العرب- وبفضل مجهودات الإخوة الجزارين- يتناقلون هذه المشاهد «اللطيفة» بسعادة عبر «الموبايلات»، وكأنها مشاهد عادية لذبح الخراف لا البشر!

وفي ما مضى كانت مشاهد القتل «التمثيلية» التي نشاهدها في الأفلام تؤثر فينا أيما تأثير، أما الآن فنشعر بأنها «لعب عيال» وكلام فارغ، فقد عوّدنا هؤلاء الأشاوس على المشاهد «الحقيقية» للجثث المتناثرة والرؤوس المفصولة والبطون المبقورة والأشلاء المقطعة، فما عاد يؤثر في مشاعرنا إبداع أكبر مخرج سينمائي في هذا المجال، وأثبتنا للعالم حقا أننا قوم مبدعون حين تتاح لنا الفرصة وتتهيأ الظروف المواتية للإبداع!

شر البلية ما يضحك ويؤلم في الوقت نفسه، أخبار القتل والمجازر والدماء هذه كلها ونحن نزعم أننا أحسن الأمم أخلاقاً، ونتباهى بأننا خير أمة أخرجت للناس، ونذكّر العالم كل يوم بأننا أهل الوسطية والاعتدال، ونبينا نبي الرحمة، وديننا دين التسامح والسلام، لكننا على أرض الواقع نعيش أياماً أكثر دموية وعنفاً وإرهاباً، ويشهد على ذلك تصدرنا للمآسي في نشرات الأخبار كل يوم ومنذ سنين طويلة من دون منازع، من قتل وتفجير وحروب وصراعات سياسية ومذهبية، وقد كان ينافسنا في ما مضي بعض أكثر القبائل الأفريقية تخلفاً وهمجية، لكننا بهمة الشباب المجاهد تفوقنا عليهم في السنين الأخيرة، وأثبتنا جدارتنا بالصدارة وبكل سهولة!

السؤال الذي تكسرت أضلعه وهو يطرح نفسه: أما آن للقوم أن يهدؤوا قليلاً وأن ينظروا حولهم ويتعقلوا؟! أما آن لهم أن يوقفوا نزيف الدماء المستمر منذ سنين على «الفاضي والمليان»، أما آن لهم أن يفهموا أن ما يصنعونه كله ما هو إلا عنتريات فارغة، جعلتنا نمشي في مؤخرة الركب وأصبحنا حقاً أمة ضحكت من جهلها الأمم، متى يعي قادة القطعان البشرية المندفعة نحو جناتها الوهمية، أن قتل الناس بعمليات انتحارية لا يمكن أن تكون مكافأته الجنة. ألا يشاهدون أخبار الأمم الأخرى وقد خلت من مثل هذا الهراء، وتمحورت حول التنمية والتعاون الاقتصادي والتقنيات الحديثة والاكتشافات العلمية والمهرجانات الفنية، متى نعي أننا متخلفون وأن أكبر سبب لتخلفنا هو بائعو جنات الوهم المزيفة لشباب دفعهم يأسهم إلى مغادرة الدنيا والالتحاق بركب الآخرة؟

نصيحة... من أجل سلامتك وسلامة من معك «النفسية» لا تشاهد نشرات الأخبار!