الكويت... هل ستصير إلى ما صارت إليه بيزنطة؟!
مخيف جداً أننا وبعد تلك العلامات الواضحة الفاضحة كلها التي ظهرت منذ سنوات لتشير إلى التدهور المستمر الذي أصاب البلاد في كل مناحيها، لم نبدأ باستشعار القلق إلا أخيراً، بل إن منّا من لايزال حتى الساعة في حالة الإنكار وعدم التصديق.
منذ ما يقرب من العام، كنت أحد المتحدثين في ندوة جماهيرية، فوصفت يومها بنبرة قاتمة الواقع الذي تمر به البلاد، وقلت إن الأمور صارت على كل صعيد تسير من سيئ إلى أسوأ، وأنها تزداد سوءاً مع الأيام لأن انفلات السيطرة على مقاليد الأمور وتفكك النظام المؤسساتي للدولة بات واضحاً لكل من له عقل، وأن الكويت قد أضحت مختطفة للفساد والتخبط واللامسؤولية، وأننا مقبلون حتماً على كارثة كبرى إن لم نتسامَ فوق خلافاتنا الجزئية ونفعل شيئاً لإنقاذ الكويت.كنت مستمراً في تلك الندوة في مسيرة التحذير من الخطر الداهم والكارثة التي تحيق بالبلاد، تلك المسيرة التي بدأتها منذ فترة طويلة، لكنه كان وقتها تغريداً خارج السرب، فالزملاء الأفاضل ممن تحدثوا معي في الندوة توجهوا للحديث عن إنجازات تياراتهم السياسية وإلى الرسم في الهواء لـ«تصاوير» كأنها الأحلام عن المستقبل المشرق الجميل.يومها وبعدما أنهيت كلمتي، تحدث أحد الحاضرين معقباً، وهو بالمناسبة دكتور أكاديمي بارز، فاتهمني بالسوداوية والتشاؤم، وأني جانبت الصواب لأن الكويت، على حد قوله، محمية بدعاء أهلها الطيبين، أو شيئاً من هذا القبيل، فأبديت استغرابي من منطقه التسطيحي ورددت عليه بالقول إن هناك حضارات سادت ثم بادت، ومنها دولة الإسلام التي بلغت أقصى الأرض، والتي انهارت وتفككت وصارت أثراً بعد عين، بسبب شيوع الفساد والتخبط واللامسؤولية، وأنه لم يشفع لها دعاء شيبها وعجائزها، ولم يفدها كونها على الإسلام في شيء. إحدى الصحف الزميلة نقلت وقائع الندوة في اليوم التالي فقالت إني «دلقت على رأس الحضور رشاً غزيراً من التشاؤم»! لماذا أستذكر هذه القصة وقد مضى عليها وقت طويل؟ السبب يا سادتي هو أني أكاد أرى الجميع هذه الأيام ومن مختلف التوجهات، وفي الصحف والمحافل جميعها، قد صاروا منخرطين بالحديث بالنبرة المتشائمة نفسها ومعبرين عن القلق نفسه حيال واقع ومستقبل البلاد. هل أريد أن أقول إني كنت سباقاً في التعبير عن الأمر بصوت عال؟ لا، فلا فائدة من هذا. ما أريد التعبير عنه هذه المرة هو قلقي الشديد من حالة «البلادة الجماعية وتباطؤ استشعار الخطر» التي يمر بها المجتمع!مخيف جداً أننا وبعد تلك العلامات الواضحة الفاضحة كلها التي ظهرت منذ سنوات لتشير إلى التدهور المستمر الذي أصاب البلاد في كل مناحيها، لم نبدأ باستشعار القلق إلا أخيراً، بل إن منّا من لايزال حتى الساعة في حالة الإنكار وعدم التصديق. المرعب في الأمر هو أنه إن كنا قد احتجنا لكل هذا الوقت لنبدأ في القلق واستشعار الخطر، فكم سنحتاج حتى نبدأ في التحرك الفعلي للمواجهة؟! وهل سنتمكن من ذلك حينها، أم سيكون الوقت قد فات؟!هل تراكم ترون ما أرى، وكيف أن وضع الكويت المتدهور وقصص الفساد والتخبط والعبث لا تزال مجرد أطروحات فكرية مبذولة للنقاشات البيزنطية في الصحف ومواد جدلية للندوات والمحاضرات، تتجاذبها الأطراف المختلفة التي يغني كل منها على ليلاه ويُحلِّق على موجات هواه، وكأن الجميع يجهلون بأن الكارثة تتعاظم والوباء ينتشر وسبل العلاج تضيق وتزداد صعوبة؟!هل تراكم تشاهدون مثلي كيف لا تزال قوانا السياسية تخترع معارك هامشية جديدة يومياً، وكأنها لا تدرك بأن الجميع في السفينة المهددة نفسها؟! لطفك يا رب!