خلافات داخل لجنة الدستور!
حصيلة المسيرة الديموقراطية خلال أكثر من أربعة عقود، لم تكن إلا حالة مرضية؛ كانفصام الشخصية أو الوسواس القهري، تمت ترجمتها بخروقات لا حصر لها، واعتداءات لا محدد لها على الدستور وقيمه ومبادئه، لذا من أجل تجديد العهد التزاماً بالدستور، لابد من صياغة خطة عمل حكومية برلمانية لحسم ذلك الوضع المتردد و«الميوعة» السياسية المزمنة.
واقع الأمر يقول إن الخلافات داخل لجنة الدستور كانت حقيقية، وقد أدت تفسيرات مستشار الحكومة لبعض المواد إلى إظهار تلك المواد كأنها مؤامرة على الأسرة الحاكمة. وقد اعترض عدد من الشخصيات السياسية التي كانت قريبة من النقاشات داخل لجنة الدستور على دور مستشار الحكومة، وقد أدت تلك الاعتراضات إلى سحب الحكومة مستشارها من اجتماعات لجنة الدستور.وتركزت الخلافات الحادة بشكل أساسي على هيكلية اتخاذ القرار وطبيعة الأغلبية المطلوبة بالإضافة إلى قانون توارث الإمارة. فالنص الاصلي الوارد في المسودة لم يجعل الوزراء المعينين أعضاءً في البرلمان، وهكذا ثارت نقطة الخلاف الأولى على كيفية اختيار الوزراء... وهل يتم اختيارهم من بين أعضاء المجلس المنتخبين أم يتم اختيارهم جميعا من خارج المجلس؟ كان الشيخ سعد العبدالله يرى أن عدد الوزراء يجب ألا يقل عن 20 وزيراً، بينما اقترح آخرون باللجنة عدد 15 وزيراً.وكان الشيخ سعد يرى أن الحكومة تأتي بالكامل بالتعيين، بينما كان هناك رأي آخر أن تكون الحكومة كلها من بين المنتخبين، وقد تم التوافق على ألا يتجاوز عدد أعضاء الحكومة 16 وزيراً (أي ثلث عدد الأعضاء المنتخبين) شريطة أن يكون من بينهم عضو واحد منتخب ولا مانع أن يزيد هذا العدد حسب الظروف السياسية، كما حدث في مجلسي 1992 و1996.أما القضية الخلافية الثانية فتركزت على الأغلبية المطلوبة لسحب الثقة من الوزير، حيث طالب الشيخ سعد العبدالله بأن تكون الأغلبية المطلوبة لسحب الثقة هي أغلبية الثلثين، بينما اقترحت أطراف في اللجنة أن تكون الأغلبية المطلوبة هي النصف + 1، وكان أن استقرت الأمور على أغلبية النصف+1. ولعلنا نلاحظ من خلال الممارسة كيف أن جعل سحب الثقة يتطلب أغلبية الثلثين كان سيؤدي إلى صعوبة تحقيق ذلك على أرض الواقع، كذلك فقد تم حسم قضية تصويت الوزراء، حيث يمنع الوزراء من التصويت على طرح الثقة حسب المادة 151 من الدستور، وهكذا تتضح أهمية تلك النقاشات وانعكاسها على واقع الممارسة السياسية منذ إقرار الدستور والعمل به.أما القضية الخلافية الثالثة، فقد تركزت على تقديم الحكومة استقالتها بعد كل فصل تشريعي. وكان الشيخ سعد العبدالله يعارض استقالة الحكومة بعد كل فصل تشريعي، بينما أصرت أطراف أخرى في لجنة الدستور على ذلك... وفي المحصلة فقد تم اعتماد أن تستقيل الحكومة.كان ملحوظا إذاً أن نقاط الخلاف الجوهرية والحادة في بعض الأحيان تركز وتهتم بنمط وطبيعة اتخاذ القرار، ولم تعط الاهتمام ذاته للمبادئ العامة في الدستور، وهو أمر أعطى وزناً كبيراً للبُعد التكتيكي أكثر من البُعد الاستراتيجي والمبادئ العامة، ولذا وجدنا تساهلاً بعض الشيء في إصدار تشريعات وقوانين تخالف في توجهها العام التوجه الشمولي للدستور، وعلى الأخص في المبادئ الخاصة بالمساواة والحريات وعدم التمييز.ومع تلك الملاحظات فقد كان صدور الدستور مكسباً تاريخياً مهماً على الرغم من المثالب، فقد نقل الدستور الحالة السياسية في الكويت من حالة تقليدية بدائية إلى صيغة مؤسسية تعاقدية بغض النظر عن قصورها. وقد كان من المفترض بعد مرور 45 عاماً أن يتم تعزيز دور الدستور في شؤون إدارة الدولة، إلا أن حصيلة المسيرة الديموقراطية خلال أكثر من أربعة عقود، لم تكن إلا حالة مرضية؛ كانفصام الشخصية أو الوسواس القهري، تمت ترجمتها بخروقات لا حصر لها، واعتداءات لا محدد لها على الدستور وقيمه ومبادئه.لقد آن الأوان للاستقرار على صيغة الدستور من الأطراف كلها، ولن يكون هناك سبيل للخروج من هذا المأزق الذي يتكرر مرة بعد مرة وما زلنا لا نعرف متى سيأتي الخرق القادم. لا بد لتجديد العهد من الالتزام بالدستور من خلال خطة عمل حكومية برلمانية لحسم ذلك الوضع المتردد و«الميوعة» السياسية المزمنة، ولكي يقر الجميع بأن الدستور إنما جاء ليبقى، أما عن تلك الخطة وذلك التصور، فهو ما سنطرحه في المقالة المقبلة بإذن الله.