Ad

تحتاج المنظمة إلى تقويم وتقريض ونقد مسارها، خصوصاً تأكيد ما هو إيجابي ومشرق من عملها ودعوتها إلى التخلص من النواقص والسلبيات، لاسيما تعزيز الديموقراطية الداخلية، وسد الثغرات وتأمين قيادة جماعية مسؤولة والاستفادة من الكفاءات والطاقات والخبرة الوفيرة، وتأكيد حضورها الدولي والإقليمي كمنظمة ريادية.

ظلّت صورة المنظمة العربية لحقوق الانسان مشرقة رغم ما لحقها من شروخ وربما تقرحات، فقد حققت طوال ربع القرن الماضي من عمرها نجاحات مهمة لعل أهمها وأبرزها أولاً: بث الوعي الحقوقي ونشر ثقافة حقوق الانسان في الوطن العربي، وثانياً: تمكنها رغم العواصف والأمواج الهائجة التي حاولت ان تتقاذفها وضع مسافة معقولة وواضحة بين الحكومات من جهة وبين المعارضات السياسية من جهة أخرى، بحيث نأت عن نفسها في الانخراط في الصراع السياسي والآيديولوجي الدائر، ساعية الى انتهاج مسلك حقوقي ومهني أساسه الدفاع عن الضحايا بغض النظر عن انتماءاتهم وأفكارهم وأديانهم وأجناسهم، وثالثاً: استقلاليتها التي حفظت لها توجهها الموضوعي لاسيما مصادر تمويلها التي ظلّت بعيدة عن الشبهات أو التقوّلات، ورابعها: اصدارها تقريراً سنوياً منذ عام 1985 يعتبر مرجعاً أساسياً عن انتهاكات حقوق الانسان في الوطن العربي، وهو تقرير مهني متميز ساهم في إعداده طوال السنوات الماضية بجدارة الباحث المصري الأستاذ محسن عوض.

وقد ساهمت النخبة الاولى المتميزة بحصانتها الفكرية ونزاهتها الشخصية في حفظ هذا التوّجه، الذي مازال يطبع عمل المنظمة ومسارها العام رغم الضغوط التي تعرضت لها، لكن هناك تحديات واجهت المنظمة منذ تأسيسها عام 1983 في مدينة ليماسول بقبرص، حين رفضت الحكومات العربية، بقضها وقضيضها، الترخيص لها بعقد مؤتمرها التأسيسي الذي جاء عقب ندوة عن الديموقراطية وأزمتها نظمها مركز دراسة الوحدة العربية الذي يديره المفكر العراقي خير الدين حسيب.

وقد استطاعت المنظمة أن تنجو بسفينتها الى شاطئ السلام رغم ما تعرضت له من محاولات لانحرفها عن مسارها من أوساط مختلفة، وتمكّنت من الحصول على الاعتراف القانوني De Jure عام 2000، بعد أن ظلّت تعمل في إطار اعتراف واقعي De Facto، حيث وقّعت على بروتوكول مع وزارة الخارجية المصرية بالاعتراف بها كمنظمة دولية اقليمية لها حصانة خاصة وفقاً للقانون الدولي.

لقد تعرضت المنظمة خلال تاريخها الى تحديات وضغوط كثيرة أهمها: المرة الأولى عند قصف مدينة حلبجة بالسلاح الكيماوي والتباس الموقف بين ما هو سياسي، حسب البعض، وما هو مهني وحقوقي حسب البعض الآخر، وفي المرة الثانية عند غزو القوات العراقية للكويت 1990، وفي المرة الثالثة عند توقيع اتفاقية أوسلو الفلسطينية- الاسرائيلية عام 1993 وفي المرة الرابعة يوم اتهمت بالتهاون بشأن إجلاء مصير منصور الكيخيا عضو مجلس أمناء المنظمة الذي اختفى قسرياً في القاهرة في 10 ديسمبر عام 1993، عندما كان يحضر اجتماع الجمعية العمومية الثالث، ولم يظهر له أي أثر حتى الآن، لكن المنظمة رغم التحديات والضغوط وربما بعض المغريات، وبعد نقاشات حارة وحوارات ساخنة ولم يكن ذلك دون معاناة أو حتى خسائر، توصلت الى ما هو صحيح وحقوقي ومهني وما هو مشترك.

وإذا كانت نجاحات المنظمة التي تسمى بالأم كثيرة لاسيما وجودها واستمرارها كمنظمة اقليمية للمجتمع المدني لرصد الانتهاكات وللدفاع عن حقوق الانسان في الوطن العربي، فإن المرحلة الجديدة تتطلب مراجعة بعض النواقص والثغرات والمثالب التي ظلت تعاني منها، لاسيما أنها لم تجد طريقها الى الاصلاح حتى الآن، والتي كانت سبباً في استقالة رئيسين من رؤسائها هما الاستاذ اديب الجادر، والدكتور علي اومليل خلال ستة أشهر، وانصراف عدد من الاعضاء السابقين والناشطين وعزوفهم عن العمل معها، الامر الذي أثار اشكالات داخلية بشأن مدى تمتع منظمة تدعو الى الديموقراطية والشفافية والتعددية والرأي والرأي الآخر، فضلاً عن التداولية لمثل هذه الاشكالات لاسيما صدقية ربط الدعوة بالتطبيق.

ولعل واحد من الاسباب يعود الى النظام الاساسي للمنظمة الذي ينتمي الى ما يسمى بالدساتير الجامدة، وهي دساتير وأنظمة بعضها يعود الى أحزاب شمولية بحيث تكرّس سلطة الأمين العام بشكل يكاد يكون مطلقاً حتى دون وجود من ينوب عنه في حالة غيابه، الأمر الذي أثير على أكثر من صعيد سواءً خلال النقاشات الداخلية، أو ما نشرته الصحافة في أوقات سابقة.

وإذا كان مبرراً وجود هذا النمط المحافظ والجامد من النظام الاساسي في المرحلة الاولى التي تحتاج الى تثبيت توجه المنظمة عبر التشدد إزاء عملية التغيير أو التعديل حسب المرحوم الدكتور أحمد صدقي الدجاني، فلم يعد ذلك مبرراً منذ عشر سنوات على الاقل، وقد شقت المنظمة طريقها بثقة كبيرة.

ولعل نظاماً أساسياً على هذا المنوال ذا النزعة الشمولية، كان له الدور الكبير في تكريس المركزية الصارمة والصلاحيات والتمثيل لجهة الأمين العام الذي يساعده عدد من الموظفين، الذين يمثلون المنظمة فعلياً، بفعل واقع الحال والتباعد، الأمر الذي أضعف كيانية المنظمة وجعل من مشاركة الاعضاء شكلية في الغالب تقتصر على اجتماعات معدودة!

إن مناسبة الحديث عن ذلك هو أن المنظمة تستعد هذه الايام لعقد دورتها السابعة، الأمر الذي يحتاج الى تقويم وتقريض ونقد المنظمة ومسارها، وخصوصا تأكيد ما هو ايجابي ومشرق من عملها، ودعوتها الى التخلص من النواقص والسلبيات، لاسيما تعزيز الديموقراطية الداخلية وسد الثغرات وتأمين قيادة جماعية مسؤولة والاستفادة من الكفاءات والطاقات والخبرات الوفيرة وتأكيد حضورها الدولي والاقليمي كمنظمة ريادية، خصوصاً من خلال مشاركتها في الاجابة عن العديد من الاسئلة الفكرية والمهنية والحقوقية، التي تواجه المجتمع المدني العربي، بحيث تتحول الى قوة اقتراح واشتراك وليس قوة احتجاج واعتراض فحسب، مستذكرين عدداً من المؤسسين بينهم فتحي رضوان وأحمد صدقي الدجاني ومنذر عنبتاوي وأديب الجادر وجاسم القطامي ود. علي أومليل ود. ليلى شرف وعبد العزيز البناني وخير الدين حسيب ومحمد فائق وسعاد الصباح وغيرهم.

لقد انطلقت حركة حقوق الإنسان العربية، وعلينا الحفاظ على شعلتها متقدة وصورتها نقيّة. وألف تحية للمنظمة في مؤتمرها السابع!

* كاتب ومفكر عراقي