أيّ متتبع جيد لسلوكيات وممارسات الحكام والنخب في بلادنا، سرعان ما يستنتج أن الوجهة الرئيسية للحركة أو التحرك فيها هي في الطرق الفضلى في مواجهة ما نعتقد أنه موجود، أو ما هو مخطط له أن يوضع بوجهنا من مخططات لإعاقة النمو والتقدم في هذا المجال أو ذاك، هذا إذا ما أحسنّا الظن بالحاكم وحوارييه من النخب التي تدور في فلكه!

Ad

أما في حالة عدم حسن الظن فإن الحاكم والنخبة المروجة له أو المتمردة عليه،لا فرق كثيرا في ذلك، فإن جل همهما هو البقاء أطول مدة ممكنة في المقام وعلى سدة الحكم أو في الموقع الاجتماعي الموصوف بالمظلومية أو المأمول بأن يكون المبادر للتغيير نحو الأحسن، وهو ما ينطبق على المعارضة اصطلاحاً!

هذا الوصف ينطبق على غالبية «حاليات» الأوضاع في أقطارنا العربية والإسلامية المعروفة اصطلاحاً بـ «الشرق الأوسط»! الخصم برأيي المتواضع يعرف ذلك جيداً، ولذا تراه يركز جلّ اهتمامه على إبقائنا في هذه الحالة العامة. أما نحن، أي أصحاب الشأن على العموم، فمنقسمون بين منتش ٍ يتصور حاله أنه يحقق الإنجاز تلو الإنجاز على الخصم والعدو! أو محبط لا يرى في الأفق من أمل أو في آخر النفق من ضوء! وبالتالي فهو ليس في وارد التخطيط لعمل ما أصلاً! وحديثي في هذه المقالة المتواضعة في الواقع هو مع الصنف الأول لأن جماعة الصنف الثاني قد سلموا أمرهم على ما يبدو «لأقدارهم» التي تصنع من خارج بلدانهم ولا يتصورون أنه بالإمكان إحداث تغيير ما من الداخل!

أقول: إذا كان صحيحاً أن موازين القوى العالمية مختلّة لغير مصلحة بلداننا منذ الحرب العالمية الأولى، وأن الدول المنتصرة في الحرب الثانية، هي المتحكمة في مسار الكثير إن لم يكن كل الأمور الأساسية في بلداننا، وأنها تعاملنا وفق قاعدة «الغلبة بالقوة والرعب»، فإن جزءاً أساسياً من المشكلة، من وجهة نظري، أننا لم ننتبه بعد إلى أن الخصم إنما يتعامل معنا على طريقة إبقائنا تحت ضغط الأزمات المتلاحقة حقيقة كانت تلك الأزمات أو مزعومة وكاذبة، فالمهم من وجهة نظره هو أن نبقى «تحت النار» في كل الأوقات في الحرب كما في السلام! ونصبح بالتالي نلهث وراء فعل الخصم والعدو الآني في كل مرحلة من المراحل، أكثر مما نخطط لبرنامج خلاصنا وتحررنا الشامل!

وبهذه الطريقة فإن أحسننا، وهم جماعة الصنف الاول الذين أشرنا إليهم سالفاً، هم اولئك الذين يبدون اقتداراً أو مقدرة متميزة في التفوق على الخصم وإثنائه عن المضي قدماً نحو الأمام في مخططه المسموم في كل مرحلة، وعندها نستطيع أن نلقبهم بـ «مديري الأزمة» المتفوقين بامتياز! كما يستطيعون هم أن يتفاخروا بقدراتهم الفائقة في السيطرة على الأزمة، كحد أدنى، إن لم تتجاوز قدراتهم تخطيها والخروج منها بسلام!

غير أن المشكلة الأساسية تبقى برأيي في أننا لم نستطع أن نتجاوز ما هو أهم، وهي حالة التخلف عن الفعل في الأحداث، والتخطيط للمستقبل. أي التخطيط لإدارة مجتمعاتنا نحو الأحسن من حيث التنمية والتقدم العام فضلا عن التخطيط للمشاركة في صناعة القرار الدولي، وهو الأمر الذي لا يزال من صنف «المحرمات» على بلداننا. وهنا يبدو بيت القصيد جليا: أي أن المطلوب - حسب مخطط المنتصرين في الحروب العالمية السابقة وأسياد الحروب الواقعة وطلاب الحروب المستقبلية... والأخيرتين إذا ما لاحظتم جيداً نحن ميدان تجاربهما بامتياز كنا، ويفترض أن نكون- هو أن نبقى جميعاً في حالة إدارة أزمات هي من فعل الآخرين ولا ننتهي من أزمة إلا و ندخل في أزمة أخرى!

السؤال الآن هو: كيف بإمكاننا الخروج من هذه الشرنقة أو الدائرة الخانقة التي وضعنا فيها الخصم؟

اعتقد، والله أعلم، أن المطلوب إعادة وضع الهرم على قاعدته الصحيحة أولا. أي أن نعمل أولا لامتلاك ما نفتقر اليه عموما في بلداننا، ألا وهو التخطيط الاستراتيجي برغم كل الضغط الهائل للأزمات الآنية. ونقلب الطاولة على الخصم والتعامل مع الأزمات استلهاما من الحديث الشريف: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً» ليصبح فعلنا: اعمل لإدارة المجتمعات كأنها باقية أبداً ولإدارة الأزمات كأنها زائلة غداً! وهذا يتطلب منا شرطاً عسيراً، ألا وهو أن نستبدل حب البقاء لأنفسنا بحب البقاء لشعوبنا!

 

أمين عام منتدى الحوار العربي- الإيراني