Ad

خلال خمسة أشهر عجاف فقط وجدت حركة «حماس» نفسها غير قادرة على التراجع وغير قادرة على الاستمرار أيضاً، فهي بدأت تتمزّق من الداخل، وقد تجد نفسها قريباً عارية «ربي كما خلقتني»، وذلك عندما يتخلى عنها الذين راهنوا عليها لإيجاد جسر لهم داخل القضية الفلسطينية بعد أن خسروا هذا الرهان.

لو أن حركة «حماس» تعرف فضيلة «النقد الذاتي» لوقفت وقفة شجاعة مع النفس ولأقدمت غير هيّابة على مراجعة مسيرتها في الحكم، ليس بعد انقلابها الشائن الأخير فقط، إنما منذ أن وصلت إلى يدها سلطة عجيبة غريبة ثبت بالأدلة القاطعة أنها لم تكن مؤهلة إليها، وأنها أيضا غير جديرة بها، وأنه كان من الأفضل، تنظيمياً وسياسياً لها وللقضية الفلسطينية أيضاً، لو أنها بقيت في مواقع المعارضة تراقب المسيرة بعين ثاقبة بعيدة عن الأضواء المبهرة.

ماذا استفادت حركة «حماس» تنظيمياً وسياسياً وسمعةً وإنجازاتٍ وطنيةً لشعبها ولقضيتها منذ أن تسلمت السلطة في «ضربة حظٍّ» لم تكن تنتظرها ولا تتوقعها؟! وما الذي حققته خلال الأشهر الخمسة الماضية بعد انقلابها الأرعن الذي، إن هي كانت تُقدّر عواقبه ولكنها قامت بكل ما قامت به، فإنها تكون قد وضعت نفسها في دوائر الشكوك والشبهات، وإن هي لم تكن تتوقع حصول ما حصل، فإنها تثبت اتهام الآخرين لها بأنها لا تستحق أن تقود هذا الشعب المكافح؟!

عجزٌ مطبقٌ وسمعةٌ سيئةٌ وإساءةٌ إلى قضية تاريخية ومعقدة في أسوأ وأصعب ظرف تمر فيه، وإظهارٌ لشعب، هو بأشد الحاجة إلى الوحدة والتماسك، على أنه منقسمٌ على نفسه وأنه ممزقٌ وأنه لا يوجد من ينطق باسمه وأنه «ضيّاع فرص»، وأنه لم يبلغ سن الرشد بعد وغير قادر على حكم نفسه بنفسه، وبالتالي فإنه لا يستحق حق تقرير المصير ولا إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة!!

بعد هذه التجربة، التي لو أن هذه الحركة تعرف فضيلة النقد والنقد الذاتي ولو أنها تمتلك الشجاعة والجرأة لمراجعة النفس والتخلي عن الأخطاء لتبرأت منها، غدا حال «حماس» كحال الغراب الذي أراد تقليد مشية الحمامة لكنه فشل في ذلك، وكانت النتيجة أنه نسي مشيته الحقيقية الأصلية، وأنه لم يستطع تقليد المشية التي أراد تقليدها، وهكذا فإن حركة «حماس» أرادت أن تتخلى عن «الثورة» لتصبح «دولة» لكنها لم تستطع فخسرت ماضيها وحاضرها وخسرت احترام شعبها لهذا الحاضر وذلك الماضي!

منذ أن قامت حركة «حماس» بانقلابها الأرعن أوقفت لعبة الصواريخ الدخانية، التي كانت تطلقها على قرية «سديروت» الإسرائيلية لإحراج السلطة الوطنية ومن قبيل الحفْر تحت أقدام منظمة التحرير، وهي حاولت مراراً وتكراراً إظهار حُسن النوايا مرة بالإفراج عن صحافي بريطاني كان مُختطَفاً من قبل عائلة متنفذة، ومرة أخرى بالسعي إلى الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الذي أسَرتْه استجابة لمخطط إيراني يستهدف المنطقة كلها، لكن كل ذلك لم يُفِدْ وكانت النتيجة هذه الاشتباكاتِ المخزيةَ مع «حركة الجهاد الإسلامي» التي كانت متحالفة معها وكل هذا الاحتراب مع كل الفصائل الفلسطينية، حركة «فتح» والجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية وأيضاً مع عشيرة «حلّس» الغزيّة الكبيرة.

لم تربح حركة «حماس» نفسها بعد أن قامت بانقلابها وفصلت غزة عن الضفة الغربية، فهي خسرت عطفاً جماهيرياً كانت تمتعت به على مدى كل سنوات انفراد حركة «فتح» بالسلطة، بعدما تحولت إلى نظام شمولي- ثيوقراطي يحكم أهل مدينة تاريخية مرَّ عليها كل الغزاة الذين مرّوا على تلك المنطقة في كل حقب التاريخ... ثم إن الأدهى أن الأمراض التي اتُّهمت بها الحركة التي سبقتها إلى الحكم أخذت تعانيها هي نفسها أيضاً... الفساد والترهل والشللية والاعتداء على عباد الله وفرض إرادة التنظيم الأوحد على الآخرين بالقوة.

خلال خمسة أشهر عجاف فقط وجدت حركة «حماس» نفسها في هذا المأزق الذي تعيشه، فهي غير قادرة على التراجع وهي غير قادرة على الاستمرار، وهي بدأت تتمزّق من الداخل، وقد تجد نفسها قريباً عارية «ربي كما خلقتني» عندما يتخلى عنها الذين راهنوا عليها لإيجاد جسر لهم داخل القضية الفلسطينية بعد أن خسروا هذا الرهان.

* كاتب وسياسي أردني