Ad

ليس عبثاً أن يعبّر الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، في احتفالية اليونسكو الـ 33 (أكتوبر 2001)، وبعد أيام من أحداث 11 سبتمبر، عن هذا التوجه بالقول «إن القرن التاسع عشر شهد صراع القوميات، والقرن العشرين شهد صراع الأيديولوجيات، أما القرن الواحد والعشرون فيشهد صراع الثقافات».

انشغل العالم بالإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر2001 الإرهابية الإجرامية. وقد ساهمت تلك الأحداث في سرقة الأضواء من حدث دولي لا يقلّ أهمية عن الإرهاب، بل يشكّل بيئة خصبة له تساعد على تفقيسه وتوالده، ونعني بذلك العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب، وكل ما له علاقة بقضايا اللاتسامح والتعصب، التي كانت عناوين أساسية لمؤتمر دولي تاريخي هو مؤتمر ديربن في جنوب أفريقيا، الذي أنهى أعماله عشية أحداث 11 سبتمبر.

المتهم الأساسي الذي أدين في «ديربن» كان سياسة إسرائيل العنصرية ومن يقف خلفها، أما بعد أحداث الإرهاب في 11 سبتمبر (أي بُعيد بضعة أيام) فقد وجّهت أصابع الاتهام الى العرب والمسلمين، رغم أنهم كانوا ضحية الإرهاب على مدى عقود من الزمان ورغم ادانتهم الشديدة اياه، لكن مسار الأحداث لم يترك فاصلة إلا وسلط الضوء عليها، بخصوص حشد «المستمسكات» كلها ضد الدين الذي يحض على الإرهاب والبنية الثقافية المُنتجة والمُشجعة عليه، التي تعتبر الغرب كله شرا مطلقا!

ولعل الوجه الآخر لهذه الأطروحات التكفيرية التأثيمية الاستئصالية، هو «التعكّز» على نظرية نهاية التاريخ والصراع الحضاري، فحسب فوكوياما، يشكّل الإسلام عدواً أساسياً بعد انهيار الشيوعية الدولية، كما أنه لا بد من شحذ جميع الوسائل للقضاء عليه، حسب صموئيل هنتنغتون وبيان المثقفين الأميركيين الستين الذي اقترب من لغة البلاغ الحربي.

العرب والمسلمون الذين أُخذوا على حين غرّة، وخصوصا في ظل غياب أنظمة الشفافية والمساءلة وتداولية السلطة سلمياً وسيادة القانون والحكم الصالح، كانوا ضحية إرهاب منظّم جماعياً وفردياً، وهو موّجه إليهم من الخارج أو الداخل على يد جماعات متطرفة ومنغلقة تدّعي امتلاك الحقيقة، وسلاحها هو التخوين والتأثيم وصولاً إلى القتل بالوسائل الرحيمة أو غير الرحيمة، بما فيها التفجيرات والمفخخات والأعمال الانتحارية ضد السكان الأبرياء المدنيين.

جدير بالذكر، أن بعض هذه الجماعات المتعصبة والإرهابية كانت تحظى بتأييد ودعم من بعض الأجهزة الغربية بصورة معلنة أو مستترة، بل إن بعضها جرى تصنيعه لأجندات سياسية خاصة، ولعل في ذلك إحدى مفارقات الصراع في منطقتنا وعلى ضفافها سواء شمال المتوسط أو عبر القارات والمحيطات.

في هذه المعركة لم تكن الجيوش وحدها وسيلة الحرب الأساسية، كما لم يكن الاقتصاد وحده أداة الحرب الأولى، ولم تكن الأيديولوجيا ابرز علامات هذه المعركة، بل إن الصراع دار هذه المرة في الساحة الثقافية، إضافة الى بقية الساحات، وكان الحقل الثقافي الأوسع والأعمق تأثيراً على مجريات المعركة، بوسائلها وإداراتها المتنوعة.

وكان السؤال يبرز، وخصوصاً في أوساط النخب الفكرية والثقافية عندنا وفي الغرب: هل ثمة مجابهة بيننا وبين الغرب؟ أم انها مواجهة مع الإسلام من طرف القوى والأوساط المتعصبة والمتنفذة في الغرب أيضاً، وليس من الإسلاميين فحسب؟ فهناك نوع من الإسلاموفوبيا (أي الرهاب من الإسلام والتحريض عليه) مقابل الإسلامولوجيا (استخدام التعاليم الإسلامية السمحة بالضد منها بما يظهرها رمزاً للتعصب الأعمى وعدم التسامح).

وهل المشكلة تكمن في فرض الحداثة أو ما بعد الحداثة لمواجهة التخلف والانغلاق ؟ أم أن ثمة أمراً آخر يستهدف فرض الاستتباع والهيمنة ومصادرة الحقوق؟

من جهة أخرى، كيف السبيل إلى إجراء إصلاحات ضرورية في العالمين العربي والإسلامي كتعبير عن استحقاق وحاجة ضرورية وماسّة داخلية أولاً وقبل كل شيء، وليس إرضاءً لأحد أو استجابة لأجندة خارجية، ولكنها تأتي في الوقت نفسه انسجاماً مع صيرورة كونية ومسار عالمي لا يمكن لأحد عزل نفسه عنه، بحجة الخصوصية الدينية أو القومية أو الثقافية؟!

ليس عبثاً أن يعبّر الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، في احتفالية اليونسكو الـ 33 (اكتوبر 2001) وبعد أيام من أحداث 11 سبتمبر، عن هذا التوجه بالقول «إن القرن التاسع عشر شهد صراع القوميات والقرن العشرين شهد صراع الأيديولوجيات، أما القرن الواحد والعشرون فيشهد صراع الثقافات».

لقد نقلت أحداث 11 سبتمبر الإرهاب الى منطقتنا على نحو متميّز، ولعل أبرز التحدّيات هو أن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وكذلك المنظمات الإرهابية كـ«القاعدة» وغيرها (باتفاق أو من دونه ولكن بمفارقة حقيقية) نقلت المواجهة الساخنة إلى ساحة المنطقة، وقد بدأت الحملة الدولية بعد قراري مجلس الأمن الدولي 1368 و1373 (الصادرين على التوالي في 12 و28 سبتمبر 2001)، حيث تم الاستناد إليهما في شن حرب شاملة لمجرد خطر وشيك الوقوع أو لشن حرب استباقية لاستئصال شأفة الإرهاب أو تجفيف منابعه، وذلك لمجرد الشك وحتى دون قرار من مجلس الأمن أو ما يسمى بالشرعية الدولية.

لعل هذا بحد ذاته، خصوصاً بازدواجية المعايير وانتقائيتها وبالتوظيف السياسي، لا يشجّع على تحسين البيئة الدولية، بل إنه يُسهم في تغذية الكراهية والثأر والانتقام في بيئة غير صالحة أصلاً، فما بالك بردود الفعل لما حصل في أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان، اضافة الى الكثير من مظاهر العنصرية والتطرف التي استفحلت في الغرب، خصوصا ضد الجاليات العربية والمسلمة، والتي تجلّت بصدور قوانين ونشر صور مسيئة الى الرسول محمد (ص) أو اتهامات بالفاشية الإسلامية!

* كاتب ومفكر عربي