Ad

أعلن بلير بعد نحو ثلاثة أيام مـن وصوله إلى المنطقة، أنه جاء إلى الشرق الأوسط «للاستماع والتعلم والتأمل»، وهذا إن تُرجم ترجمة دقيقة وأمينة، فإنه يعني أنه لا يجب توقع أي شيء من رجل كان بالأمس القريب لا يتحدث إلا والسيف في يده، وأصبح الآن يتحدث بطريقة الشعراء وبأساليب فلاسفة اليونان القدماء!

عندما يقول رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، الذي أصبح مبعوثاً خاصاً للجنة الرباعية الموكلة بإيجاد حلٍّ للقضية الفلسطينية، أنه جاء الى الشرق الأوسط للاستماع والتعلم والتأمل فـ «أبشر بطول سلامة يا مربع»، فهذه المنطقة جاءها كثيرون من الذين استمعوا وتأملوا، لكنهم لم يتعلموا أو أنهم إذا كانوا قد تعلموا فإنهم قد تعلموا ما تعلموه بعد فوات الأوان وبعد أن لم تصبح هناك أي قيمة فعلية لما تعلموه.

إن المفترض أن بلير، المغرم جداً بالسياسات الأميركية والمقلـِّد دائماً لما يفعله الأميركيون في هذه المنطقة وفي غيرها، قد قرأ كتاب جيمي كارتر الذي أُعتبر إنصافاً ما بعده إنصاف للفلسطينيين وللقضية الفلسطينية، ولكنه إنصاف جاء متأخراً جداً، إذْ ما فائدة ألا تظهر «ملائكية» أي رئيس أو مسؤول أميركي إلا بعد أن يصبح جزءاً من الماضي، وإلا بعد أن يصبح ما يقوله مجرد كلام لمجرد إراحة الضمير ورفع العتب.

لقد استقبل الإسرائيليون طوني بلير، القادم إلى الشرق الأوسط بحماسة «الولد الشاطر»، بلطمة قوية على أنفه... فهم أفهموه أن مهمته تقتصر على مساعدة الفلسطينيين في أن يحسِّنوا أداءهم وأن يصلحوا أنفسهم وأن يعيدوا النظر في أوضاع سلطتهم، ولذلك فإنه عليه ألا يتجاوز حدود هذه المهمة وألا يحشر أنفه في ما لا يعنيه، فهو لا علاقة له بالمفاوضات ولا بعملية السلام، وهم إذْ يستقبلونه فإنهم يستقبلونه من قبيل اللباقة ومن قبيل تسهيل مهمته الآنفة الذكر التي لا مهمة له غيرها!

ولذلك، ولأن طوني بلير ربما يعرف هذا ويعرف أن حدود مهمته هي هذه الحدود، فإنه أعلن بعد نحو ثلاثة أيام مـن وصوله إلى المنطقة أنه جاء إلى الشرق الأوسط «للاستماع والتعلم والتأمل»، وهذا إن تُرجم ترجمة دقيقة وأمينة فإنه يعني أنه لا يجب توقع أي شيء من رجل كان بالأمس القريب لا يتحدث إلا والسيف في يده، وأصبح الآن يتحدث بطريقة الشعراء وبأساليب فلاسفة اليونان القدماء!

هناك مؤتمر دولي من المفترض، حسب اقتراح الرئيس الأميركي جورج بوش، أن يُعقد في الخريف المقبل لإطلاق عملية السلام المتوقفة عند النقطة التي وصلت إليها منذ سبعة أعوام، ولمعالجة مأزق القضية الفلسطينية التي بقيت تعيش حالة استعصاء عل مدى هذه الأعوام السبعة المشار إليها، ولذلك فإن المفترض أن تكون مهمة طوني بلير على غير ما قاله الإسرائيليون بالنسبة إليها، كما أن المفترض ألَّا يكون قدومه إلى هذه المنطقة لمجرد الاستماع والتعلم والتأمل.

إنه من غير الممكن الانتقاص من كفاءة رئيس الوزراء البريطاني السابق وقدراته، فهو أثبت خلال الأعوام العشرة التي قضاها في مواقع المسؤولية أنه رجل دولة من الطراز الرفيع وأنه لاعب دولي «لا يُقعقع له بشنان»، ولذلك فإن آمالاً عريضة قد راودت الفلسطينيين والعرب عندما أُختير ليكون المبعوث الخاص للجنة الرباعية (الدولية) إلى الشرق الأوسط، وهنا فإن المؤكد أن ما عزز هذه الآمال هو أن اختيار طوني بلير لهذه المَهمة، المُهمة جداً، والصعبة جداً قد جاء بناء على ترشيح رئيس الولايات المتحدة الأميركية ودعمه.

لا يجوز أن يقول طوني بلير إنه جاء إلى الشرق الأوسط للاستماع والتعلم والتأمل اللهم، إلا إذا كان هذا الذي قاله قد قاله من قبيل التواضع ومن قبيل عدم رفع سقف المراهنات على مهمته، وعلى الدور المتوقع الذي من المفترض أنه سيقوم به، فالأوضاع في هذه المنطقة خطيرة جداً والوقت يمضي بسرعة والمنطقة تغلي، والنيران تشتعل في أجزاء كثيرة منها والقضية الفلسطينية لم تعد تستطيع الصبر والاحتمال، وأيام صاحب فكــرة مؤتمر الخريف المقبل الدولي، الذي هو جورج بوش، في البيت الأبيض غدت معدودة وقليلة.

 

كاتب وسياسي أردني