الأردن: بداية مرحلة جديدة!

نشر في 04-12-2007
آخر تحديث 04-12-2007 | 00:00
 صالح القلاب

الواضح أن مرحلة الأعوام الأربعة المقبلة ستكون هذه المرة من دون كتل متصارعة، وأن هذا البرلمان سيعطي الأولوية للاستحقاقات الاقتصادية الملحّة، وهذا سيجعله على توافق مع هذه الحكومة التي من المؤكد أنها ستحصل بعد أيام قليلة على ثقة برلمانية غير مسبوقة.

أمس الأول، الأحد، بدأت دورة جديدة في الحياة السياسية الأردنية، فالحكومة ومجلس الأعيان جديدان وكذلك مجلس النواب (البرلمان)، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أجرى تغييرات أخرى غير كل هذه التغييرات الديموقراطية استعداداً للمرحلة القادمة التي ستكون في غاية القسوة والصعوبة أردنياً وإقليمياً، لمواجهة هذه المرحلة، ولذلك فإن المنتظر أنه خلال الأسابيع المقبلة سيلجأ إلى إعادة ترتيب الكثير من المؤسسات والأجهزة والمواقع.

أمس الأول في خطاب العرش، الذي افتتح به «مجلس الأمة» الجديد «حدّد الملك عبدالله الثاني معالم المرحلة المقبلة، ووضع ما يمكن تسميته: «خارطة الطريق» للحكومة الجديدة ومجلس الأعيان والبرلمان الجدد، ولعلّ ما يمكن استشفافه مما قيل في هذا الخطاب أنه لا يمكن التسامح هذه المرة لا مع التثاؤب ولا مع التجاوز ولا مع الارتجال والعشوائية ولا مع أي خطأ، حتى إن كان صغيراً قد يؤدي إلى أي عرقلة في المسيرة المقبلة التي ستكون حساسة وصعبة.

في خطاب العرش هذا، وفي كتاب التكليف الذي وجهه الملك عبدالله الثاني إلى رئيس الحكومة الجديدة المهندس نادر الذهبي شدّد العاهل الأردني على أن الأولية يجب أن تكون للاقتصاد ولمواجهة الأعباء الحيايتة التي ستترتّب على ارتفاع أسعار النفط إلى أرقام فلكيّة، وعلى انهيار قيمة الدولار الأميركي الذي أدى بسبب ارتباط الدينار الأردني به إلى ارتفاع حتى أسعار المواد الغذائية الضرورية.

كان واضحاً منذ اللحظة الأولى أن مهمة حكومة «التكنوقراط» هذه هي مهمة اقتصادية، وهي التصدّي للتحديات الخطيرة الحالية التي يواجهها المستهلك الأردني، وفي كل شيء، والتحديّات المتوقّعة المتعلّقة بارتفاع أسعار المحروقات نتيجة ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالميّة، وهذا معناه أن الشؤون السياسية الخارجية كلها، العربية وغير العربية، سيتحمّلها الديوان الملكي الهاشمي وبتوجيهات مباشرة من الملك عبدالله الثاني.

هذا على صعيد الحكومة أما بالنسبة لهذا البرلمان الجديد فإن الملك عبدالله الثاني، الذي كان وجّه إلى سلفه السابق أكثر من انتقاد وأكثر من مرة، قد أوضح وعلى نحو حاسم أنه لا يريد أن يكون برلمان مناكفات ومناكدات وبرلمان صراعات جانبية أرهقت الجميع في السنوات الأربع الماضية، وكانت على حساب مهمة التشريع ومراقبة أداء السلطة التنفيذية، وأشغلت الحكومة السابقة والحكومة التي سبقتها في مناوشات عدمية وفي قضايا ثانوية.

إن هذا البرلمان مـــن حيث السمة العامة لا يختلف عن البرلمان السابق، فالتمثيل الحزبي «وليس السياسي» فيه شبه معدوم و«الإخوان المسلمون» الذين كان ممثلوهم في البرلمان السابق مصدر تشويش ومناكفات وإعاقة وافتعال للمعارك الجانبية، تراجع تمثيلهم إلى أكثر من نسبة الثلثين، وهذا يعني أن وقت هذا المجلس الذي هو المجلس النيابي الخامس عشر يجب أن يكون كلّه للعمل وللعمل المثمر والمجدي فقط.

لقد جاءت معركة انتخاب رئاسة هذا المجلس النيابي هيّنة ومن دون أي مفاجآت غير متوقعة، والواضح أن مرحلة الأعوام الأربعة المقبلة ستكون هذه المرة من دون كتل متصارعة، وأن هذا البرلمان سيعطي الأولوية للاستحقاقات الاقتصادية الملحّة، وهذا سيجعله على توافق مع هذه الحكومة التي من المؤكد أنها ستحصل بعد أيام قليلة على ثقة برلمانية غير مسبوقة، والتي ستركّز كل جهودها على الهمّ الداخلي الذي زاده ارتفاع أسعار المحروقات على هذا النحو الجنوبي خطورة وصعوبة.

* كاتب وسياسي أردني

back to top