Ad

ربما كان مقبولاً لو أن «إخوان» مصر تركوا مرتكب جريمة الاعتداء على الجنود المصريين مجهولاً أما أن يقول النائب الثاني لمرشدهم العام الدكتور محمد حبيب: «لا أعتقد أن «حماس» يمكن أن تتورط في ذلك... هناك عناصر من «فتح» يمكن أن تفعل ذلك» فإن هذا كلام باطل لا يراد به حق.

لو أن الإخوان المسلمين المصريين التزموا الصمت إزاء «تسونامي» غزة الأخير لكان خيراً لهم، ولاحتفظوا بالوقار الذي بقوا يحرصون عليه بالحياد الذي ادعوه بالنسبة للصراعات الفلسطينية - الفلسطينية، خصوصاً صراعات حركتي «فتح» و«حماس»، إذ كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كلما تأز مت علاقات هاتين الحركتين يلجأ إلى «الإخوان» والذي كان يقول وهم مازالوا يقولون إنهم «إخوانه»!! لإصلاح ذات البين ولردم الهوة بين أشقاء الهدف الواحد والمسيرة الواحدة.

كان على إخوان مصر أن يقفوا على مساحة واحدة بين فصائل الثورة الفلسطينية خصوصاً بين حركة «فتح» التي كانوا يعتبرونها حركتهم على أساس أن بعض قادتها المؤسسين وعلى وجه التحديد ياسر عرفات «أبوعمار» وخليل الوزير «أبوجهاد» وسليم الزعنون «أبو الأديب» وخالد الحسن «أبو السعيد» كانوا قد مرّوا بالتنظيم الإخواني. وحركة «حماس»، التي لا ريب في أنها تجسّد مشروع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين بالنسبة للقضية الفلسطينية، والذين وإن هم نزلوا إلى هذا الميدان «متخلفين» نحو ربع قرن فإنهم قد نزلوا إليه على اعتبار أن اللحظة التاريخية أصبحت لحظتهم بعد أن تراجع المد الشيوعي اليساري في العالم كله، وبعد أن أفلست الأحزاب والتيارات القومية العربية.

لكن لم يفعل «الإخوان» المصريون ما كان عليهم أن يفعلوه، وهم بدل ذلك حاولوا تملّق الرأي العام المصري، الذي طالبهم باتخاذ موقف من «تسونامي» اجتياح الحدود المصرية، بإصدار بيان خجول لا يمكن اعتباره، إلا بأنه موقف اللاموقف طالبوا فيه الحركة التي يعتبرونها ذراعهم الفلسطيني: «بالعمل على ضبط الموقف على معبر رفح»... وهذا كلام إذا تمّت ترجمته ترجمة ساسية فإنه يظهر هذه الحركة على أنها بحجم مصر وأنها هي القادرة على ضبط هذه «الحدود»... وهم قالوا في هذا البيان الذي يحمل عدة أوجه: «... إن ما حدث أخيراً من اعتداء على جنود مصريين لا يمكن لجماعة الإخوان أن توافق عليه...»!!

وهنا فإنه ربما كان مقبولاً لو أن «إخوان» مصر تركوا مرتكب جريمة الاعتداء على الجنود المصريين مجهولاً أما أن يقول النائب الثاني لمرشدهم العام الدكتور محمد حبيب: «لا أعتقد أن «حماس» يمكن أن تتورط في ذلك رغم أنها المسيطرة على الأوضاع في غزة... نحن نعرف أن هناك من يريد أن يعكّر الأجواء ويقوم بتلغيم العلاقات المصرية - الفلسطينية... هناك عناصر من «فتح» يمكن أن تفعل ذلك، ثم إن عملاء إسرائيل ليسوا بعيدين عن ذلك كثيراً».

إن هذا الكلام معيب ومشين، وإنه كلام باطل لا يراد به حق، فالعالم كله سمع تصريحات قادة «حماس» وشاهدها على شاشات فضائيات الكرة الأرضية كلها وهم يزفون بشرى بداية إزالة الحدود بين الدول العربية للمسلمين والعرب، والعالم كله شاهد أحد قادة هذه الحركة من الصف الثاني وهو يلوح برشاشه الكلاشنكوف، بينما كان يقف على أطلال سياج الحدود المصرية -الفلسطينية، ويقول «إن الذين حطموا دبابة ميركافا الإسرائيلية هم الذين حطموا هذا السياج».

كانت خطة «الإخوان المسلمين» في مصر والأردن وبعض الدول العربية الأخرى هي استغلال هذا الحدث، الذي اتُّخذ قراره في طهران وجرت المصادقة عليه في دمشق، لتعميم الفوضى في هذه الدول وللانتقال من خنادق الدفاع إلى ميادين الهجوم، ولعل انفجار المظاهرات «الإخوانية» في أكثر من دولة عربية و«بكبسة زر» ومرة واحدة يدل على أن هذه التطورات كانت مرتبة وكان مخططاً لها وأنها لم تتلاحق بسرعة البرق على غرار ما جرى بصورة عفوية.

إنها مؤامرة استهدفت مصر بالدرجة الأولى وكان الهدف هو شل قدرة هذه الدولة العربية الأساسية وتعطيل دورها الإقليمي بالنسبة للقضية الفلسطينية وتحقيق هدف قيام الدولة المستقلة التي باتت مطلباً حتى للولايات المتحدة الأميركية، وبالنسبة للعراق ولبنان وللقضايا الإفريقية الملتهبة ومن بينها قضية دارفور... واللافت هنا أن الإخوان المسلمين من خلال تنظيمهم العالمي قد أظهروا أنهم يضعون أنفسهم في القاطرة الإيرانية، وأنهم أحد أرقام معادلة «فسطاط الممانعة والمقاومة» التي قالت «حماس» بلسان رئيس مكتبها خالد مشعل أكثر من مرة إنها أحد أركان هذه المعادلة.

* كاتب وسياسي أردني