أعدت قراءة البيان الذي أصدره النائب أحمد المليفي عدة مرات، لعلي أكتشف سبب ردة الفعل القوية التي أعقبته، وسبب هجوم كثير من النواب عليه، وتنكر القوى السياسية، بما فيها كتلة العمل الوطني التي ينتمي إليها المليفي نفسه، منه، فعجزت! ولست الآن واثقاً إن كان المليفي سيحاول تلطيف ما جاء في بيانه تحت وطأة هذه الهجمة النيابية والسياسية والصحفية التي واجهته، ولكنني مع ذلك لن أتردد في أن أقول إن البيان بكل ما ورد فيه قد جاء ليصيب الهدف في القلب، ولم يتجاوز الحقيقة!

Ad

أنتم أخبروني، هل تجاوز المليفي الحقيقة حين قال إن رئاسة الحكومة منذ توليها زمام السلطة التنفيذية قد فشلت في ترجمة شعار الإصلاح على الواقع، وعجزت عن قيادة مسيرة الإصلاح والتنمية، فتحول الواقع إلى صراع والمستقبل إلى سراب تتخبطه الأهواء وتتنازعه المصالح، وتوالت الأزمات وفشلت الحكومة في تجنب حدوثها، وإذا حدثت كانت ممارسات الحكومة وقوداً لها، وما إن يخرج البلد من أزمة حتى تدخل في أزمة يغيب عنها رئيس الوزراء بإجازات ليس لها محل فتعطلت مصالح البلد والعباد؟ وهل أخطأ حين قال إن ما أصاب السلطة التشريعية من خلل لا يقل عما حاق بالسلطة التنفيذية من فشل وترد وإن البرلمان وبدلاً من أن يكون شريكاً في التنمية غدا ببعض أركانه شريكاً في المسؤولية عن هذا التردي، فزاد الخلل خللا والمرض تفشيا؟!

يا سادتي، إن شعار الإصلاح شعار جميل، لكن الإصلاح ليس شعاراً يرفع، والرغبة بالإصلاح رغبة طيبة وأمنية غالية، ولكنه كذلك ليس رغبة مجردة تظل حبيسة الصدور. إن شعارات الإصلاح والرغبة فيه إن لم تتم ترجمتها حقيقة على أرض الواقع، فإنها تضحي على العكس من بريقها وبهائها خديعة كبرى وسُماً قاتلاً. الناس يسمعون ومنذ تولي رئاسة الحكومة الحالية للسلطة التنفيذية عن الإصلاح في الصباح وبعد الظهر وفي المساء ومع وجبات الأكل وقبل النوم، ولكنهم لا يرون ولا يقبضون من هذا شيئا. الأزمات تتوالد وتتكاثر كالأرانب، والمشاكل تزداد تعقيدا وصعوبة، فما قيمة الشعارات والرغبات إذن؟!

دلوني على مشروع إصلاحي ذا قيمة فعلية جاءت به الحكومة خلال هذه الفترة، وإن استطعتم، ولا أظن، وسأدلكم على ستين أزمة ولدت ومشكلة تعقدت في نفس الفترة.

لماذا يراد لنا أن ندفن رؤوسنا في الرمال مثل النعام، ونتعامى عن الحقائق الصارخة؟ البلد ما عاد يحتمل المجاملات، وخلط الأوراق. نقدر رئيس الحكومة ونحترمه على المستوى الشخصي، ولكن هذا لا يمنعنا من أن نقولها بكل صراحة بأن أداء الحكومة في عهوده المتتالية بعيد كل البعد عن المأمول والمنشود.

بعض من عارضوا بيان المليفي يقولون إن رئيس الحكومة ذو نهج إصلاحي، وإن المشكلة ليست فيه إنما في ضعف وزرائه، وفي أن هناك مساعي من أطراف عديدة لعرقلة عمله وإفشاله، بل ذهب بعضهم إلى التشكيك بمصداقية المليفي وصولاً إلى محاسبة نيته ودوافعه. يا سبحان الله، أهكذا نحن دائما؟! كلما أعيتنا الحيلة لتفنيد الأمور بموضوعية، ذهبنا إلى التشكيك؟! ما قال الرجل إلا حقا، ولم يتجن ولم يكذب، وأي منطق هذا الذي يستند إليه من يقولون إن رئيس الحكومة ذو نهج إصلاحي لكن وزراءه هم السيئون وأن هناك من يسعى إلى إفشاله! أليس من اختار الوزراء هو نفسه؟ ومن ذاك الذي قال إن طريق الإصلاح سالك، وإن الدنيا بلا عراقيل ومعوقات وبلا مفسدين وأن كل الفصول ربيع؟ لطالما كانت المعوقات موجودة، ولطالما كان المفسدون في سعي دائم للعبث والإفساد، ولطالما كان الصراع بين الخير والشر محتدما، وهنا يتمايز الناس ويبرز دور القادة المميزين الذين يقهرون الظروف.

نعم، لقد أصاب النائب المليفي كبد الحقيقة حين طالب بأن يتم وضع أسرة الحكم وتحديد مرجعيتها بسمو أمير البلاد وكبح جماح الآخرين من أبناء الأسرة من التدخل في شؤون الوزارة وعدم نقل خصوماتهم وصراعاتهم إلى ساحة المجلس أو الحكومة أو الصحافة، فوالله لم تشهد الكويت اضطرابا على هذا الصعيد مثلما تشهده هذه الأيام التي بلغت فيها الأمور أن تنشر فيها الصحف ما يشيب له رأس الوليد من شتائم وسباب وانحدار في الألفاظ بين بعض أبناء الأسرة.

وأصاب كبد الحقيقة في مطالبته لتعيين رئيس وزراء جديد يحمل رؤية واضحة للإصلاح قوي في قراراته أمين في تطلعاته من دون تدخل أي كان سواء من أقطاب الأسرة أو أبنائها، وليس في هذا أي تدخل في صلاحيات سمو الأمير، فكل الناس ترى تخبط الحكومة وضعفها، ومن حقها الموضوعي أن تعزو ذلك إلى عدم قدرة رئيس الحكومة على القيام بمهمته خصوصاً، أنه حاول لعدة مرات، ومن حقها أن تتمنى على سمو الأمير، «أبو الجميع»، أن يعين رئيس وزراء جديداً لعل الله يصلح الأمور على يديه.

وأصاب المليفي كذلك كبد الحقيقة بمطالبته بإجراء انتخابات جديدة وفقاً للدوائر الخمس ومنع أي تدخل فيها بأي شكل من الأشكال لتتحقق إرادة الشعب الكويتي في اختيار ممثليه، ويقول كلمته بوضوح في الأعضاء الحاليين، ويكون شريكاً ومسؤولا عن معالجة أوضاع الحاضر وبناء المستقبل من خلال اختياره الحر. أقول ذلك لأنه كان حرياً بأعضاء مجلس الأمة أصلا، ومنذ وقت بعيد وبعدما أقرت الدوائر الخمس، أن يكونوا قدموا استقالاتهم لإعادة حق الاختيار للناس وفقا للتقسيم الانتخابي الجديد.

النائب أحمد المليفي لم يغادر الحقيقة، وبيانه أصاب الهدف، بغض النظر عن كل محاولات التشكيك في مراميه ودوافعه واتهامه بهذا أو ذاك.

أرفع لك العقال احتراماً يا «أبو أنس» على هذا الموقف رغم كل اختلافي معك في مواقف أخرى أبرزها موضوع البدون!