فهل خسئ الخاسئون؟!

نشر في 17-01-2008 | 00:00
آخر تحديث 17-01-2008 | 00:00
 أ.د. غانم النجار

في مثل هذا اليوم منذ 17عاماً، بدأت فعلياً حرب تحرير الكويت بالضربة الجوية أو ما سمي بعملية «عاصفة الصحراء». في ذلك اليوم خرجنا بالسيارة، لا أعرف لماذا؟ فقد كان الجو مكفهراً، والشارع خالياً من الحركة، إلا الآليات العسكرية العراقية، والوضع يشعرك برهبة، وكان كل شيء مزوراً.

ليس بالإمكان أفضل مما كان، وهكذا كان عن سالف العصر والأوان.

في مثل هذا اليوم منذ 17عاماً، بدأت فعلياً حرب تحرير الكويت بالضربة الجوية أو ما سمي بعملية «عاصفة الصحراء».

كنا حينها ككويتيين ممن واجهوا الغزاة بصدر عار قد حبسنا أنفاسنا بانتظار تلك الضربة بفارغ الصبر لعل ذلك يكون إيذاناً بانتهاء ذلك الكابوس اللئيم.

كنا في سرداب بمنطقة الروضة نتجاذب أطراف الحديث، فقد تحولت الكويت إلى سراديب في الليل، وكان البيت الذي فيه سرداب قد تحول إلى محطة تجمع للفريج، وكان مشهداً مألوفاً أن نشاهد بعضنا خارجاً من السرداب في الصباح ذاهباً إلى بيته القريب حاملاً بطانيته وربما مخدته. كنا في سرداب وجاءنا صوت صدام عبر المذياع من سرداب آخر تخندق فيه الشر، ولكن من مكان بعيد على بعد مئات الأميال يتوعد ويعلن انتصار «أم المعارك» على العدوان الثلاثيني كما أسماه ليختمها «بهوسة» الصلف والغرور معلناً «يا محلا النصر بعون الله» ومكملاتها بمقولته الصعبة فهماً ومعنى «فليخسأ الخاسئون» فأي نصر كان... وأي خاسئ خسئ.

كنا حينها نتندر على ذلك النصر المزعوم فحولناها دون تخطيط إلى عبارة انتصار، ولكن في لعب الورق الذي كنا نمضي فيه الوقت الممل بالليل ونتعامل فيه مع حظر التجوال، وصارت عبارة لازمة فمن يفوز بلعبة «الكوت» يردد «يا محلا النصر بعون الله».

أتذكر جيداً اختلاط مشاعري حينها، فمن جانب شعور بالفرح لقرب انقشاع الغمة، ومن جانب آخر شعور بالأسى على الهدر والدمار والضحايا والضياع الذي أدخلنا فيه شخص مغرور كاد أن يحول نفسه إلى نبي، وتبعه ومازال عدد ليس بقليل من البشر.

فهل أصبح الخراب والدمار قدراً محتوماً على هذه الأمة؟ فها هي عاصفة الصحراء قد آتت أكلها، وتم طرد الغزاة وعدنا إلى بلادنا الحبيبة واستعدناها، فهل عاد الأمان؟ وهل تعلمنا مما مضى أم أننا مازلنا ندور في الدائرة ذاتها، «حرب تلد أخرى»، وكأننا في حالة عدمية؟ ويظل العنف هو سيد الموقف سواء جاء من الخارج أم من الداخل، وتظل منطقتنا من أعلى معدلات المناطق بالحروب والخراب. أعاننا الله على ما هو قادم.

في ذلك اليوم خرجنا بالسيارة، لا أعرف لماذا؟ فقد كان الجو مكفهراً، والشارع خاليا من الحركة، إلا الآليات العسكرية العراقية، والوضع يشعرك برهبة، وكان كل شيء مزوراً؛ وثائق السيارة التي أقودها، وهوياتنا، فأوقفنا ضابط عراقي، وأسمعنا كلاماً قاسيا، متوعداً بالثبور وعظائم الأمور، فقد أحس بأن وثائقنا مزورة، وحبسنا الأنفاس، ففي تلك الأجواء لم يكن لديهم مجال للنقاش، ولكن بعد التوعد والوعيد سمح لنا بالعبور، وقد كنا السيارة المدنية الوحيدة في الشارع، ربما لم يكن ذلك الضابط يعلم بأن وجوده بالأساس على أرضنا كان مزوراً، فلا بأس أن نزور وثائق، وقد كان تزوير الوثائق تحت الاحتلال إحدى المهن التي امتهنها بعض الشباب، وقد كانت تلك إحدى الوسائل التي أعانتنا على مواجهة الغزاة فقد مارسنا عناداً غير محدود ضد الاحتلال، كان من ضمنه رفض تحويل أرقام السيارات إلى أرقام عراقية وتحولت الكويت من دون سابق إنذار إلى بلد دراجات، حتى أن عندما تم أسرنا أنا والصديق سعود العنزي في وقت لاحق بمنطقة الرقعي، كنا حينها نمتطي دراجاتنا.

وها نحن قد عدنا لكويتنا المحررة، تجرنا الذكريات أو نجرها... لا فرق، وتبقى تلك مجرد ومضات أو لمحات تعيننا على ما هو قادم، ومازلت لا أعلم إن كان الخاسئون قد خسئوا حقا... أو إن كان النصر يا «محلاه بعون الله».

back to top