Ad

مواقف بعض النواب من زيادة الرواتب، وإلغاء القروض تقع في خانة المزايدة الانتخابية الواضحة، ولكنها سترتد عكسياً على حامليها، لأنها تفضح بساطة تفكيرهم وثقافتهم في أمور الاقتصاد والإدارة والاجتماع الأساسية.

أتحفنا النائب خالد العودة بدعوة الحكومة إلى إقرار زيادة لرواتب الموظفين «بصورة شاملة» على ألا تقل الزيادة عن %70 من نسبة المرتبات الحالية، أسوة بما حصل عليه الإماراتيون، مؤكداً أن هذه الزيادة «المجزية» كفيلة بإعانة الموظفين على تحمل غلاء المعيشة، و«من شأنها أن تقضي على التضخم الحاصل اليوم»- (الجريدة، الجمعة 23/11/2007)، وهي دعوة غنية جداً بالدلالات على فكر سائد في الساحة السياسية والاجتماعية في الكويت.

نص الدعوة بحد ذاته مؤشر صارخ على العقلية القبلية التي تدار بها البلاد، فالدعوة ببساطة هي محاولة إثارة «نخوة» ولي الأمر بمقارنته برأس القبيلة الأخرى - فطالما أمير القبيلة الفلانية تكرم على شعبه بزيادة %70، فلابد أن يعادل أميرنا هذه النسبة أو حتى يتعدها، وذلك من دون الحاجة الى أي مبررات أخرى أو إضاعة الوقت في بحث الفكرة أو إعطائها أي تحليل علمي.

المؤشر الآخر هو أساس مشكلة المجتمع الكويتي، وهو ما يسمى في علم النفس بالتعزيز الإيجابي للمسلك السلبي، فعلى سبيل المثال، إذا استجبت لطلبات ابنك كلها بغض النظر عن مدى حاجته أو استحقاقه لها فإنك ستربي طفلاً كسولاً ومتكلاً وأنانياً وعدائياً، وغير قادر على الاعتماد على نفسه. وهذا الطفل للأسف كبر ليصبح الشعب الكويتي، فبدلا من أن تكون دعوة النائب المحترم لتأهيل الموظفين وتشجيعهم على العمل الحر أو التوجه الى القطاع الخاص أو حتى تثقيف العامة على أسس العيش بميزانيات محدودة، كما هو الأمر مع بقية شعوب العالم، تأتي دعوته تأكيداً ودعماً للعقلية الاستحقاقية، والمتكلة كلياً على الحكومة وحلم استمرار ارتفاع أسعار البترول.

الأخطر في هذا التصريح هو انعدام أسس اتخاذ القرار لدى ممثلي الشعب، وضعف الخبرة الاقتصادية والسياسية الضرورية لاتخاذ قرارات تحدد مصير هذا الوطن في مثل ظروفنا الراهنة، فالدعوة إلى الزيادة الشاملة تتناقض مع أسس الإدارة التي تحتم أن تتناسب الزيادة ووزن الوظيفة والحاجة إليها وقوانين العرض والطلب، فهل يجوز مساواة الطبيب أو عامل المصفاة بموظف الخدمة بالطيران المدني أو الإداري في الوزارات الأخرى؟

كما تتضارب هذه الدعوة مع إستراتيجية الدولة لتخفيف الأعباء على ميزانيتها، وتشجيع العمل في القطاع الخاص والقضاء على البطالة المقنّعة في الجهاز الحكومي المترهل، فما الحكمة من جهاز دعم العمالة الوطنية في القطاع الخاص والميزانيات الضخمة المخصصة له؟ أليس من الأجدر فك هذا الجهاز، واستخدام ميزانياته لهذه الزيادة «المجزية» طالما أننا لا نؤمن بدوره وطالما لا يحظى بدعم نواب الأمة؟!

هل فكّر النائب العزيز في تأثير هذه الزيادة على ميزانية الدولة؟ وبأثرها بعد 10 سنوات من الآن؟ هل فكّر في النمو التراكمي لهذه الزيادة، أخذاً في الاعتبار العلاوات السنوية والمكافآت والترقيات والتأمينات الاجتماعية؟ الأهم، كيف ستقضي هذه الزيادة على التضخم كما يتخيل العدوة؟ وهو الذي يدعو في التصريح نفسه إلى تشديد الرقابة الحكومية على «الزيادة المفتعلة في أسعار المواد الاستهلاكية والإنشائية»، فمبادئ الاقتصاد تؤكد أن الزيادة الشاملة في دخل الأفراد أو الدعم الحكومي تقودنا مباشرة إلى مزيد من التضخم وارتفاع الأسعار ومضاربة التجار بأسعار المواد الأساسية لتوافر القدرة الشرائية للفرد.

إن مواقف بعض النواب من زيادة الرواتب وإلغاء القروض تقع في خانة المزايدة الانتخابية الواضحة، ولكنها سترتد عكسياً على حامليها لأنها تفضح بساطة تفكيرهم وثقافتهم في أمور الاقتصاد والإدارة والاجتماع الأساسية، فالكويت تمر بمرحلة حرجة على الأصعدة الداخلية والخارجية كافة، والنجاة منها تتطلب قادة قادرين على التفكير بعقلانية بعيداً عن الضغوطات الاجتماعية والمصالح الشخصية والفئوية وعلى أسس علمية قويمة.