إننا أمام دولة تهتم، على الأقل من الناحية التعليمية، بأرواح البشر وتكوينهم الجسماني، ولكن العلّة كل العلّة في البناء العقلي والفكري للإنسان في دولة الكويت، فعن أي جيل شاب نتحدث ونحن لا نولي عقولهم أي اهتمام يذكر؟ وعن أي قادة مستقبل بهم تُبنى الكويت وترتقي ونحن لا نقدم إليهم سوى النزر القليل، بل الأقل على الإطلاق، في البناء العقلي؟!بإمكاني أن أنقل أمامكم آلاف الخطب والعبارات الصادرة من قيادات كويتية تنادي بالاهتمام بالنشء ورعايته وبنائه البناء السليم الصلب القوي كي يكون قادراً على بناء الدولة في المستقبل بشكل متميز يضمن للدولة استمرارية فعالة وبقاء ناجحاً.
هذا الكلام لا غبار عليه و«ما يخرّش الميّه».. كما يقول الأشقاء المصريون، بل إنه الكلام الذي يجب أن يقال من كل ذي صلة بتنشئة الأجيال المقبلة.
بيد أن الغريب في الأمر هو أن هذا الكلام قيل ومازال يتكرر منذ 30 عاماً أو أكثر، ومر الجيل تلو الآخر والوضع يسير في اتجاهه الخاطئ، فالحال من سيئ إلى أسوأ، فكم من جيل شاب وشاخ والكلام مايزال مكرراً عن العناية بالنشء دون أن تصنع هذه الأجيال المتعاقبة الفرق والتميز؟!
ولكي نبسط الرسالة ونشرحها بشكل أفضل علينا أن نطرح سؤالاً حتمياً لتيسير الإجابة عنه والوصول إلى الغاية: لماذا يتطلب القبول في تخصصات كالطب والهندسة أعلى المعدلات الدراسية مقارنة بالتخصصات الأخرى؟
الإجابة كما توقعتم وببساطة؛ أن تخصصاً كالطب الذي يعنى بصحة البشر والاهتمام ببنائهم الجسماني، يتطلب حرصاً وتفوقاً علمياً عاليين لدى الممارس كي لا يؤدي جهله أو قلة تحصيله العلمي إلى حدوث كوارث بشرية كالموت، لا سمح الله، أو فشل بعض الأعضاء الجسدية في تأدية مهامها. والأمر نفسه ينسحب على بعض تخصصات الهندسة المعنية ببناء المسكن والمأوى اللذين إن اختل بناؤهما فربما تسبب ذلك في إزهاق أرواح الكثير من البشر.
إذن.. فإننا أمام دولة تهتم، على الأقل من الناحية التعليمية، بأرواح البشر وتكوينهم الجسماني، ولكن العلّة كل العلّة في البناء العقلي والفكري للإنسان في دولة الكويت، والسبب يتلخص، وببساطة، في أن نسب القبول بكليات كالتربية والتربية الأساسية اللتين تتحملان المسؤولية الأساسية في تخريج مدرسين ومدرسات لأبناء الكويت يتولون تعليمهم لما يزيد على 12 عاماً، تعد من أقل نسب القبول في الكويت، بمعنى أن مَن يتولى الرعاية والبنيان العقلي لأبناء الكويت، وهو البنيان الأهم برأيي، هم من أصحاب التحصيل العلمي الضعيف جداً مقارنة مع نسب القبول لمَن يتولون البناء الجسدي!!
فعن أي جيل شاب نتحدث ونحن لا نولي عقولهم أي اهتمام يذكر؟ عن أي قادة مستقبل بهم تُبنى الكويت وترتقي ونحن لا نقدم إليهم سوى النزر القليل، بل الأقل على الإطلاق، في البناء العقلي؟! ماذا ستفيدنا التصريحات والخطب مادام الفعل لا يقترن بهما أبداً؟ إن كانت الدولة تستوعب الأمر وتتجاهله فتلك مصيبة، وإن لم تكن فالمصيبة أعظم وأخطر بلا شك.. ولا عزاء للكويت.
خارج نطاق التغطية:
كم عدد الأغاني الوطنية الحديثة التي تتغنى بحب الوطن لا رموز الوطن؟