خذ وخل: الحداد يليق بالثقافة والفنون!

نشر في 20-01-2008
آخر تحديث 20-01-2008 | 00:00
 سليمان الفهد أخشى القول أنه لم يعد أحد يتذكر المجلس الوطني للثقافة البتة! والحق أن الحداد يليق بالثقافة والفنون والأداب بكويتنا. ولن أقول أكثر من ذلك، لأن الضرب في الميت حرام، وضرورة ذكر محاسنه.

دمشق__* ثمة سؤال برئ طيب وعلى نياته وهو: هل ثمة أحد يتذكر فعاليات اختيار دولة الكويت وضواحيها عاصمة للثقافة العربية؟ بمعنى آخر أسأل ثانية: هل كانت الفعاليات متناغمة مع أهداف هذه المناسبة كما حددتها توصيات منظمة «اليونسكو» الدولية؟ وحتى لا أظلم الأخوة القيمين على الثقافة في بلادنا، سأتعلل بأن ذاكرتي المنقرضة يكمن فيها سبب نسياني «لفعاليات» الاحتفالية! ولكن ماذا عن ذاكرة الناس الذين شهدوا الاحتفالية بكل تجلياتها وحضورها في فضاء عاصمة الثقافة العربية؟

الجواب لا يحتاج الى استبيان واستفتاء وكل تقنيات علامات الاستفهام الساعية إلى جواب علمي رصين لا يأتيه الباطل من أي صوب! حسبنا معرفة ما تحقق على الأرض من «انجازات» شتى تستهدف البنية الجوهرية للثقافة والفنون والآداب، لنتأكد أن المناسبة مرت من دون أن يتمخض عنها فعل نافع يمكث في الأرض، والتي ما برحت بلادنا تعاني غيابها، فالقيّمون الرواد أنجزوا الكثير.. وهو الثراث الذي ما برح «الربع» يتكئون عليه، من دون أن يضيفوا إليه ما يستحق الذكر! اللهم إلا إذا كان القيمون على الثقافة يعتبرون إصدار مجلة «فنون» انجازاً يستأهل التنويه، لا سيما عند مقارنته بفعل الرّواد! فدولة الكويت مازالت بلا دور عرض مسرحية تليق بالمسرح والمسرحيين وبالكويت البلد الغني ذاتها! ودار الأوبرا باتت كما «بيض الصعو» الخرافي الأسطوري الذي نسمع به ولم ولن نشهده، والأسابيع الثقافية الكويتية التي كانت مثار إعجاب وتقدير وتثمين كل عاصمة وحاضرة عربية حلت فيها، باتت مجرد زفة احتفالية تذكر الجيل المخضرم بالزفة الاحتفالية لكويت الخمسينيات التي كانت تقام بساحة «الصفاة» حيث رقصة «العرضة» وفرقة «الرندي» و«بن حسين» وغيرها فقط لا غير! والأسابيع «الثقافية» العربية التي تشهدها الديرة في السنوات الأخيرة، لا علاقة للمجلس بها، لأنها تحضر على هامش المعارض التجارية والاستثمارية والتسويقية وغيرها! والأنكى من ذلك هو أن الحكومة لا تحفل بالشأن الثقافي، وليس وارداً ضمن أجندتها الإصلاحية والتنموية.

*وهو ما يتبدى جليا في واقع حال المجلس نفسه: فقد تقزم وتهمش وكأنه مجرد قسم أو شعبة في إدارة بوزارة الإعلام! وقد سمعت، في هذا السياق، من أحد وزراء الدولة السابقين رأياً له العجب العجاب: وهو أن البلاد ليست بحاجة إلى حضور المجلس كمؤسسة ذات شخصية اعتبارية، فالأسابيع الثقافية الكويتية التي يقيمها المجلس في الأقطار العربية، يمكن بثها عبر الفضائية الكويتية، من دون الحاجة إلى سفر الحشد الكبير المتنوع من الأدباء والمسرحيين وفرقة المعهد العالي للموسيقى، وفرقة التلفزيون والشعراء والنقاد والصحافيين وغيرهم وكان رأي معالي الوزير قد قاله منذ عشرين سنة ونيف، ظاناً أن الأسبوع الثقافي سهرة منوعات تبث في ليلة واحدة، وكفى الله سبحانه المجلس عناء التواصل الثقافي بين بلادنا والأقطار العربية الشقيقة!

ومن نافل القول التنويه بأن القيّمين الرّواد: كان بحوزتهم مشروع ثقافي تنموي طموح تحقق الكثير منه، وثمة الكثير منه لم يتحقق... وربما لن يتحقق! ربما لأن القيمين الأوائل جُلهم من المبعدين والمثقفين الوطنيين المؤمنين بأن الكويت ليست نفطاً، وسعوا إلى ترجمة هذه المقولة عبر فعاليات المجلس الداخلية والخارجية، وعوداً على بدء نلوك ونجتر السؤال إياه: أثمة أحد يتذكر فعالية واحدة من فعاليات الكويت عاصمة للثقافة العربية!

وأخشى القول أنه لم يعد أحد يتذكر المجلس الوطني للثقافة البتة! زمان لو قلت لبعلتك بأنك رايح المجلس فستعي بان المقصود مجلس الثقافة، أما الحين فقد تظن أنك ذاهب لمجلس الآباء، أو مجلس العزاء! والحق أن الحداد يليق بالثقافة والفنون والأداب بكويتنا. ولن أقول أكثر مما ذكرت، لأن الضرب في الميت حرام، وضرورة ذكر محاسنه.

ولا جدال في أن إشهار محاسن المرحوم أمر محمود ومأجور، لكن ماذا نفعل إذا كانت «محاسن» هذه «جياكر» ومثالب وأخطاء وعيوب؟!

تداعت هذه الخواطر جميعها وأنا أتابع فعاليات احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية، والتي سأكرس لها مقالتي القادمة، ويومها سنعرف الفرق بين الزفة الاحتفالية الاستعراضية الإعلامية، وبين العرس الثقافي الحضاري، المتكئ على رؤية، والمنطوي على مشروع يمكث في الأرض وينفع الناس!

back to top