Ad

استقرار الكويت داخلياً عبر عمرها الطويل، ارتبط دائماً باتزان العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتميز هذه العلاقة كونها علاقة تراض ٍوقبول ووضوح من الطرفين بعضهما تجاه بعض، وكانت الألفة والمحبة بين آل الصباح والشعب الكويتي من أهم العوامل التي ساهمت في استقرار الجبهة الداخلية، هذا العامل الذي تجلت قيمته وأثره الحقيقي أثناء الغزو العراقي للكويت.

لا أدري، هل التركيز الصحفي على إبراز الجرائم والحوادث المرتبطة بأبناء الأُسرة الحاكمة، هو الذي تزايد في الآونة الأخيرة، ام ان الأمر يعكس بالفعل ازدياداً حقيقياً لهذه الحوادث والجرائم؟... لا يمكن الجزم بشيء، لكن على أي حال، ليس هذا هو بيت القصيد، إنما الامر مجرد انطلاقة لفكرة أبعد.

إن استقرار الكويت الداخلي، وثبات ما يسمى بالجبهة الداخلية واصطفاف الكويتيين خلف حكامهم عبر عشرات السنوات التي مضت، لم تكن لتحصل هكذا اعتباطاً من دون مقومات ولا كان ليظهر مثل النباتات الصحراوية التي لا يعرف لها بذر، فكثير من دول العالم في الشرق وفي الغرب، لطالما انهارت جبهاتها الداخلية واشتعلت فيها الحروب والانقلابات، وتغيرت فيها الأنظمة عشرات المرات ولاتزال.

استقرار الكويت داخلياً وعبر عمرها الطويل ارتبط دائما باتزان العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتميز هذه العلاقة كونها علاقة تراض ٍوقبول ووضوح من الطرفين بعضهما تجاه بعض، حتى توجت في نوفمبر 1962م بظهور الدستور، الذي حدد من جهة أن الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح (المادة الرابعة)، وحدد في الجهة المقابلة أن نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً (المادة السادسة)، لتستقر هذه العلاقة المتوازنة بين الطرفين وفقاً لهذه الوثيقة الراسخة والمرنة القابلة للتطوير والتحديث في ذات الوقت.

لا يوجد في الدستور ذكر لآل الصباح إلا في المادة الرابعة منه، ولكن على الرغم من ذلك فإن للأسرة الحاكمة مكانة مهمة وأساسية في استقرار الجبهة الداخلية للبلاد، فعلاقة الكويتيين بشيوخهم بقيت دائماً علاقة مودة وتراحم، وتميز الشيوخ بتواضعهم الجم واقترابهم من الشعب في أفراحه وأتراحه وهمومه ومشاغله. لم يشعر الكويتيون يوما بأن الشيوخ يعيشون في برج عاجي بعيد عنهم، ولا أنهم في طبقة أعلى منهم، ولم يمارس الشيوخ أنفسهم يوما ما يشي بهذا الأمر. بالطبع وجدت هنا وهناك بعض التصرفات الفردية، لكنها لم تخدش يوماً هذه الصورة الإيجابية العامة. وقد كانت هذه الألفة والمحبة بين آل الصباح والشعب الكويتي من أهم العوامل التي ساهمت في استقرار الجبهة الداخلية، هذا العامل الذي تجلت قيمته وأثره الحقيقي أثناء الغزو العراقي للكويت.

وبالعودة إلى مقدمة المقال، أقول إن الصحافة وخلال الفترة الماضية أبرزت وبشكل تفصيلي أحيانا جرائم وتعديات قام بها بعض أبناء الأسرة الحاكمة، وانتشرت على إثرها مقولات متفرقة بأن أبناء الأسرة في مأمن من العقاب، وأن القانون لا يطالهم، لكن هذه المقولات سرعان ما نفاها رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد، وكذلك وزير الداخلية الشيخ جابر المبارك، من خلال تأكيدهما على أن القانون يطبق على الجميع بلا استثناء.

إلى هنا والكلام رائع، لكن غير الرائع هو أن الصحافة التي أظهرت تفاصيل تلك الحوادث التي وقعت على يد بعض أبناء الأسرة، لم تظهر وعلى الرغم من تأكيدات رئيس الحكومة ووزير الداخلية بأن القانون سيطبق على الجميع، أي شيء يدل على هذا الأمر!

أهمية المسألة تكمن في أن الظروف التي تمر بها البلاد في هذه الأيام ظروف دقيقة، والشعب ليس بحاجة لما يعكر صفو علاقته بالأسرة الحاكمة ويفقده الثقة بها. لذلك لابد للصحافة وكما سلطت الضوء على تلك التجاوزات غير القانونية التي اقترفها بعض أبناء الأسرة، أن تُمكّن من تسليط الضوء على القانون، وهو يطبق بحذافيره على من تثبت التهمة بحقه منهم. إما هذا... وإما فإن المقولات والشائعات التي يطلقها البعض بين الفينة والأخرى ستجد لها آذاناً مصغية، والكويت ليست بحاجة اليوم لشيء كهذا، فما فيها يكفيها!