Ad

هناك كثيرون في شمال العراق لهم مصلحة في توجيه صفعة إلى خدِّ الطفل الكردي المسكين... فالأتراك والإيرانيون والسوريون لهم مصلحة في ذلك، وعرب النظام العراقي الجديد غير راضين عن قيام كيان في الشمال آخذ بالتحول إلى دولة كردية مستقلة لها علمها وجيشها وعاصمتها ومطاراتها وطائراتها وعملتها الخاصة.

عدت من إجازة عيد الفطر المبارك، إذ تلاحقت الأنباء المزعجة، فاتصلت بصديقي الكردي المقيم الآن في عمان، الذي كان سفيراً لحزبه «الحزب الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود البارزاني في أنقرة، لأسأله عما يحدث في تلك المنطقة الواقعة عند نقطة تلاقي الرِّماح التركية والإيرانية والعراقية في ضوء تصاعد تهديدات تركيا باجتياحها عسكرياً للتخلص من حزب العمال الكردستاني–التركي وعملياته وقواعده المتمركزة في منطقة جبل «قنديل» التي تعتبر من أكثر المناطق وعورة في الكرة الأرضية.

ضحك «كاك» فايق حتى شعرت بأن الهاتف النقال سيسقط من يدي لشدة الاهتزاز، ثم قال بعد أن هدأ: إن حال الأكراد الآن كحال عائلة استقبلت ضيفاً عزيزاً... فعندما انحنى ربها ليلتقط دلَّة القهوة ويسكب لضيفه منها فنجاناً أخرج ريحاً كريهة... وعندما لم يجد ما يفعله للتخلص من الحرج الذي أصيب به اتجه نحو ابنه الصغير الذي لا جريرة ولا ذنب له بما حدث وصفعه صفعة قوية على وجهه.

ثم ضحك «كاك» فايق واستطرد قائلاً: ثم جاء دور ربة المنزل التي ما لبثت أن فعلت ما فعله زوجها عندما انحنت لتضع طبق الطعام أمام الضيف العزيز، وهي بدورها عندما لم تعرف ما الذي تفعله لتتفادى الحرج والارتباك اتجهت نحو طفلها، الذي كان لا يزال يصرخ بأعلى صوته بعد تلقي صفعة أبيه القوية، ووجهت إليه صفعة أقوى من الصفعة السابقة.

ثم جاء دور الضيف العزيز فهو بعد أن أكل وشرب وتناول عدداً من فناجين القهوة اللذيذة ودَّع مضيفيه بالقبلات لكنه بعد أن ابتعد عن منـزلهم بمئات الأمتار اكتشف أنه نسي إحدى «فرْدتيْ» حذائه هناك... فعاد إلى المنزل وعندما انحنى ليلتقطها حدث معه ما حدث مع ربّ هذا المنـزل وربته، فاعتدل من انحناءته ثم تلفّت حوله واتجه نحو الطفل نفسه ووجّه إليه صفعة قوية ثم غادر المكان.

والحقيقة أن هذه هي حال الأكراد في شمالي العراق، فقد أراد الأتراك الردَّ على قرار الكونغرس الأميركي بشأن مذابح الأرمن زمن الدولة العثمانية فلم يجدوا إلا الطفل الكردي المتحالف مع الأميركيين ليوجهوا إليه صفعةً رداً على الصفعة الأميركية لهم، وكذلك لأن الجنرالات الأتراك المخلصين لـ«أتاتورك» وعهده وعلمانيته أرادوا إحراج الإسلاميين بزعامة عبدالله غول ورجب طيب أردوغان وإخراجهم من الحكم فإنهم بدورهم لم يجدوا سوى هذا الطفل الكردي المسكين لتوجيه صفعة قوية إلى خدِّه.

الأتراك الذين يريدون تسوية الحسابات مع حليفهم الاستراتيجي الذي هو الولايات المتحدة بعد قرار الكونغرس الأميركي الآنف الذكر أرادوا «ضرب عصفورين بحجر واحد...» أولاً، الرد على الأميركيين وفقاً لمبدأ: «العين بالعين والسنُّ بالسنِّ والجروح قصاص»، وثانياً، إيقاف تقدم الكيان الذي أقامه أكراد العراق في أربيل والسليمانية ودهوك ومنعه من الوصول إلى هدف الدولة المستقلة الذي إن هو وصل إليه فإن العدوى ستنتقل حتماً إلى تركيا وإيران، فهناك أكثر من اثني عشر مليون كردي، إذ تشير التقديرات إلى وجود أكثر من ستة ملايين من هؤلاء الذين لديهم نزعة جامحة لاستعادة جمهورية «مهاباد» التي تم القضاء عليها بعد أن قامت كنتيجة من نتائج الحرب العالمية الثانية.

هناك كثيرون في هذه المنطقة لهم مصلحة وللسبب نفسه في توجيه صفعة إلى خدِّ الطفل الكردي المسكين... فالأتراك لهم مصلحة في هذا وكذلك الإيرانيون والسوريون، وعرب النظام العراقي الجديد غير راضين عن قيام كيان لشركائهم في الحكم في شمالي العراق، كيان آخذ بالتحول إلى دولة كردية مستقلة لها علمها وجيشها وعاصمتها الخاصة... ولها مطاراتها وطائراتها التي سيكون لها حتماً إن بقيت الأمور تسير على هذا المنوال عملتها الخاصة.

إن هذه هي الحكاية ولا حكاية غيرها وقصة حزب عبدالله أوجلان المعتقل الآن في جزيرة قبالة إسطنبول هي مجرد حجة كحجة الذئب الذي عكر صفو مائه ذلك الحمل المسكين الذي كان يشرب من النهر قبل أن يصل بجريانه إلى المنطقة التي يقف فيها هذا الذئب... الذي هو أحد أفراد قطيع من الذئاب!!

* كاتب وسياسي أردني