الشعوب وسيناريوهات الحرب ضد إيران

نشر في 13-04-2008
آخر تحديث 13-04-2008 | 00:00
 د. محمد السيد سعيد

إن الحرب ضد العراق كانت أهم مكافأة استراتيجية لإيران، وقد تفهم نخبة الحكم الأميركية وقطاع من الرأي العام الحرب ضد إيران كما لو أنها استعادة للتوازن الاستراتيجي في المنطقة وفي الخليج وهو ما يقلل من معارضتها، ولكن إن كان هذا هو إدراك نخبة الحكم الأميركية فكيف نفهم إذن موقف الرأي العام التقدمي أو حركة مناهضة الحرب؟

حتى اليوم تمتلأ المدن الأميركية بالمظاهرات والاحتجاجات ضد الاحتلال الأميركي للعراق، وكان النضال ضد الحرب قد بدأ عاما كاملا قبل شنها فعلا كما تواصل منذ الغزو حتى الآن.

واليوم يضطر مجلس الشيوخ لمناقشة الاستمرار في الاحتلال أو سحب القوات الأميركية من العراق، وأكد المرشحان الديموقراطيان للرئاسة تفضيلهما للسيناريو الأخير، الأمر المؤكد أن الرأي العام الأميركي قد اقتنع بخطأ مشروع غزو واحتلال العراق بسبب قوة المعارضة التي قامت بها حركة شعبية مناهضة لهذا المشروع.

أما مشروع الحرب ضد إيران فلم يثر حتى الآن أي قدر ملموس من المعارضة المدنية في الشوارع. وينطوي هذا الغياب بذاته على مفارقة أو في الحقيقة على مفاجأة. صحيح أن الفضاء الإلكتروني الأميركي مترع لآخرة بالمناقشات والمناظرات والاحتجاجات والانتقادات ضد فكرة الحرب على إيران إلا أن مظاهرة واحدة ولو كانت عشرات المظاهرات الكثيرة ضد العراق لم تخرج للاحتجاج على احتمالات الحرب ضد إيران.

بل العجيب فعلا أن أكثرية الساسة الرسميين الذين رفضوا الحرب ضد العراق وناضلوا ضدها لا يثيرون نفس الانتقادات أو الاحتجاجات ضد الحرب على إيران، ولا يكاد يكون أحد قد طرح أو أجاب عن هذه المفارقة. لماذا رفضت نسبة كبيرة من الأميركيين وبالطبع الأوروبيين الحرب على العراق بينما لا يقولون كلمة واحدة ضد فكرة الحرب ضد إيران؟

حرب مختلفة

ربما نجد إجابة أولية في بعض التحفظات عن السؤال نفسه، فبينما طرحت إدارة بوش فكرة احتلال العراق وتغيير نظامه السياسي بالقوة حتى قبل أن تتولى الحكم وظلت الفكرة تتعزز وتدخل أطوارا عملية وتصير الموضوع الرئيسي في الأجندة السياسية الأميركية بعد إسقاط حكومة طالبان في أفغانستان، فنفس هذه الإدارة لم تخض دعاية كبيرة لتعبئة التأييد للحرب ضد إيران. وبتعبير آخر ربما يعي الرأي العام الأميركي ويتابع العقوبات الاقتصادية ضد إيران وتبريراتها فيما يسمى بالبرنامج النووي الإيراني ولكنه لم يسمع بأي قدر من التركيز عن تهديدات الإدارة بشن الحرب ضد إيران بهدف تدمير البنية الأساسية للبرنامج النووي. وفقا لهذا التفسير لا يحتج الأميركيون على فكرة الحرب ضد إيران لأن الفكرة نفسها لم تصلهم بالواقعية والضخامة التي نوقشت بها قضية العراق.

ومن ناحية ثانية فحتى لو صارت الحرب ضد إيران بمناسبة البرنامج النووي خطرا قريبا أو تهديدا ملموسا فهي لن تكون من نفس طبيعة الحرب ضد العراق. فالغزو والاحتلال أمران مستبعدان تماما تقريبا. والفكرة العامة التي يرجح أن يطبقها الأميركيون والإسرائيليون هي أن يتم قصف مواقع إيرانية جوا لفترة طويلة من الزمن لإعطاب وضرب البنية الأساسية للبرنامج النووي خصوصاً «تبريز» موقع صواريخ الردع الإيرانية و«بوشهر» موقع المفاعل النووي وأيضا الموقع الرئيسي للقوات الجوية وبندر عباس الميناء الرئيسي لإيران على الخليج وناتانز موقع مرفق التخصيب الرئيسي وأصفهان موقع مرفق اليورانيوم. وتنتهي الحرب بهذا المعنى ما إن تحقق أغراضها ومن دون احتلال أو حتى عمليات برية إلا العمليات الخاصة التي قد تفرضها ضرورات عسكرية. وهذا كله يختلف من نواح كثيرة عن العمليات العسكرية ضد العراق.

إدراك العراق وإيران

ولكن هذه الاختلافات بين إيران والعراق لا تفسر إهمال الرأي العام الأميركي لضرورة قطع الطريق على سيناريوهات الحرب ضد إيران، فالحرب بنهاية المطاف هي الحرب. ومن المتوقع أن تؤدي الحرب ضد إيران إلى نزيف مالي واقتصادي لأميركا وإلى تكلفة إضافية للمواطن الذي يستهلك النفط وإلى مزيد من الكراهية لأميركا في العالم وربما إلى مزيد من التصدع في العلاقات بين أميركا والعالم الثالث، وربما مع بعض الدول الأوروبية هذا فضلا عن خسائرها البشرية والإنسانية والسياسية المحتملة. وكل هذه تدخل أو يفترض أن تدخل في حسابات حركة مناهضة الحرب في الولايات المتحدة وأوروبا.

وقد يمكننا أن نلقي ضوءاً إضافياً على السؤال بأن نوضح الفارق في الانطباعات بين إيران والعراق في الولايات المتحدة. فالواقع أن إيران كانت هي الخصم الأصلي الذي هز أميركا هزاً وأغضبها فعلا بعد أزمة الرهائن الأميركيين في طهران عامي 1979 و1980. وكسب ريغان الانتخابات الرئاسية بسبب هذه الأزمة التي أهانت أميركا وكان يسمى «غير قابل للانتخاب» قبلها. أما كراهية صدام حسين فبدت وكأنها عملية قيصرية أو متكلفة في هذا الوقت لأنه كان قد صار طيعا تماما أمام اللعبة الاستراتيجية الأميركية، ورغم الدعاية الكثيفة جدا ضد الرجل ونظامه لم يفهم الرأي العام الأميركي تماما لماذا تجب إطاحته أو حتى لماذا يتعين على الأميركيين كراهيته كما طلب منهم بوش بينما هو بدا وكأنه نموذج للدكتاتورية الشائعة في العالم الثالث عموما. وإن كان صدام دكتاتورا فهو لم يحمل قيما مضادة تماما للأميركيين مثلما تفعل إيران، بل خدم مصالحهم بامتياز، وأخيراً فإن صدام حسين أثار لدى بعض الأميركيين شيئا من التعاطف لأنه كان الطرف الأضعف بكثير أو underdog كما يحب الأميركيون تسمية الطرف الذي يلعب بضعف. أما إيران فهي أمر مختلف تماما. فهي تستخدم خطابا قويا وحافلا بالتحدي وبقي كذلك لفترة طويلة من الزمن، ومن ثم فالحرب ضدها خصوصا لو كانت جوية تبدو للأميركيين وكأنها عقاب مطلوب لقوة متغطرسة. وأدرك الشعب الأميركي أيضا أن إدارته منحت امتيازات استراتيجية كبيرة لإيران بمجرد أن قامت بإسقاط حكومة الطالبان في أفغانستان وإطاحة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بل إن الحرب ضد العراق كانت أهم مكافأة استراتيجية لإيران، وقد تفهم نخبة الحكم الأميركية وقطاع من الرأي العام الحرب ضد إيران كما لو أنها استعادة للتوازن الاستراتيجي في المنطقة وفي الخليج وهو ما يقلل من معارضتها، ولكن إن كان هذا هو إدراك نخبة الحكم الأميركية فكيف نفهم إذن موقف الرأي العام التقدمي أو حركة مناهضة الحرب التي نشطت في الولايات المتحدة والعالم عام 2002 بالذات؟

عاملان إضافيان

ورغم أهمية هذه العوامل أو الفوارق فقد نستطيع أن نفهم التباين في الموقف الشعبى الأميركي والأوروبي من فكرة الحرب ضد إيران في عاملين رئيسين إضافيين وبالغي الأهمية.

العامل الأول هو قدرة صدام مقارنة بإيران على مخاطبة الرأي العام العالمي بصورة غير مباشرة أو من خلال بناء الجسور مع قوى شعبية مؤثرة، وبكل أسف فإيران لا تهتم بهذا العامل ربما لشعورها بالثقة في حساباتها التي تدفعها للاعتقاد أن الحديث عن الحرب الأميركية ضدها ابتزاز وليس أمرا واقعيا، والحقيقة أن إيران لم تهتم بإصدار خطاب عالمي أو ببناء علاقات مع الحركات الاجتماعية الأوروبية والأميركية لمنع الحرب أو لمباشرة حوار وبناء تحالف حقيقي. أما العامل الثاني فهو موقف القوى الدولية المؤثرة الأخرى، فمعارضة الدول الأوروبية الكبرى لمشروع غزو العراق قوى شوكة المعارضين للحرب في المجتمع الأميركي، وبكل أسف أيضا لم تتمكن إيران من إقناع أوروبا رغم اهتمامها بذلك بالوقوف ضد سيناريو الحرب خصوصا بعد فشل المباحثات حول البرنامج النووي الإيراني.

موقف العالم العربي لم يكن مؤثرا في حالة العراق، ولكن من المتوقع أن يكون مؤثرا في حالة إيران.

* نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام

back to top